الثلاثاء 2019/06/25

آخر تحديث: 08:10 (بيروت)

السودان: العودة لنقطة الصفر

الثلاثاء 2019/06/25
السودان: العودة لنقطة الصفر
الجنرال حميدتي بين أنصاره في الخرطوم (غيتي)
increase حجم الخط decrease

هل يمكن التفاوض مع القتَلة؟ كان قبول قوى الحرية والتغيير، بالعودة إلى التفاوض مع المجلس العسكري، مدعاة لغضب الكثيرين في السودان وخارجه. فشهور من المفاوضات المرهقة، نقض فيها المجلس العسكري كل تعهداته السابقة، مرة بعد أخرى، لم تقد سوى إلى مذبحة 29 رمضان. ومع تكشف تفاصيل الجرائم التي ارتكبتها قوات الجنجاويد في فض اعتصام القيادة وحجمها، أضحى التفاوض مع المجلس العسكري وتشارك السلطة معه أعصى على القبول، أخلاقياً، ولأسباب عملية أيضاً. فهل الحوار مع العسكر عبر وسطاء، والقبول بالمشاركة معهم في مجلس سيادي، يعني التغاضي عن الجرائم التي ارتكبت؟ والأهم كيف يمكن للمدنيين الثقة فيهم، ولثلاث سنوات مقبلة هي طول الفترة الانتقالية المقترحة؟ وما هي أوراق الضغط التي ما زالت تملكها قوى الحرية والتغيير، إن كانت الاعتصامات قد فضت والإضراب قد تم وقفه بعد يومين من سريانه؟

يواجه قادة الحراك السوداني أسئلة صعبة، وعلى خلفية تجارب سابقة خاضتها الثورات العربية، برهاناتها وما وصلت إليه. ففي مواجهة خصم مدعوم إقليمياً ولا يتورع عن ارتكاب الجرائم، يبدو التعويل على إسقاطه في أيدي الحشود في الشوارع، مغامرة دموية غالباً لن يُكتب لها النجاح، وإما اللعب على عامل الوقت على أمل حدوث شروخ بين العسكر أنفسهم فيمكن له أن يكون مقدمة لاقتتال أهلي اختبرت السودان مرارته من قبل. والظاهر أن قوى الحرية والتغيير قد اختارت العمل على خطين متوازيين، التفاوض عبر وسطاء وبضمانهم، والحشد للتصعيد في الشارع على المدى البعيد. فعلى مستوى الفاعليات، فإن عمل لجان الأحياء واللجان النقابية ما زال مستمراً، مع عقد لقاءات جماهيرية للتوعية والتواصل الشعبي، وإن كانت قوات التدخل السريع تعمل على فضها أحياناً كثيرة. وعادت المظاهرات الليلية، مرة أخرى، مع وقفات في أماكن العمل أيضاً، ليستعيد الحراك بعضاً من ثقته وزخمه، بعد مذبحة القيادة، ببطء لكن بثبات.

وعلى المستوى الآخر، فإنه، وبعد سلسلة من اللقاءات مع ممثلي الاتحاد الأفريقي والوسيط الأثيوبي، أعلن تجمع المهنيين السودانيين قبل أسبوع عن اجتماع لممثليه بالسفير الإماراتي بالخرطوم، وكذا اجتماع آخر في السفارة المصرية، بغية التواصل مباشرة مع الداعمين الإقليمين للمجلس العسكري. وجاءت تلك اللقاءات مع الإعداد لاجتماع برلين بشأن السودان، الذي عقد الجمعة الماضي، وضم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيجاد، بالإضافة إلى مصر والسعودية والإمارات. ويرجح أن إعلان قوى الحرية والتغيير، قبولها بالمبادرة الإثيوبية وبتقاسم المجلس السيادي مع العسكر مناصفة مع كرسي إضافي لشخصية محايدة، كان استجابة لمخرجات برلين ولضغط الدول المشاركة على الطرفين للوصول إلى تسوية.

لكن المجلس العسكري يعود بالمفاوضات إلى نقطة الصفر، برفضه المبادرة الأثيوبية، بل وتهديده بالرجوع كلياً عن كل ما تم الاتفاق عليه في السابق. وتؤكد ذلك، التخمينات التي ذهبت إلى أن القبول بالمبادرة الأثيوبية، كان حركة من قوى الحرية والتغيير، لإحراج المجلس العسكري غير الراغب على الإطلاق في تسليم السلطة، وغير المتوقع منه الموافقة على مشاركتها مع أحد. يعزل العسكر أنفسهم أكثر فأكثر عن المجتمع الدولي، برهان على الوضع القائم وفرض استمراره بالعنف. ولا تبدو القوى الدولية عازمة على الذهاب أكثر من مجرد الوساطة، أو في أفضل الأحوال، استخدام نفوذها الدبلوماسي للضغط على التحالف العربي الداعم للعسكر في الخرطوم.

ويبقى أمام قوى الحرية والتغيير الاستعداد لمواجهة طويلة وقاسية، يظل باب التفاوض فيها مفتوحاً بشروط، لكن معاركها الأساسية تخاض على المدى البعيد في لجان الأحياء والنقابات. فلا يبدو أن هناك بديلاً سوى إرغام العسكر على الإدراك بأن لعبة الوقت ليست في صالحهم.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها