الإثنين 2019/04/01

آخر تحديث: 14:20 (بيروت)

لبنان: تسونامي الغلاء قادم

الإثنين 2019/04/01
لبنان: تسونامي الغلاء قادم
increase حجم الخط decrease

في ظل الحوار القائم حول مكافحة الفساد ومواجهة الإنهيار الحاصل في مالية الدولة، يتبدى لنا أن السرقات والدين العام مصدرها بعض الموظفين الحكوميين الصغار ممن تمادوا في مناصبهم. مدير مستشفى حكومي في قريته، وظّف أبناء أشقائه وشقيقاته، أو موظفي حكومي متعاقد لم يلتزم بالدوام. وكل ما سبق ضرب من تحت الحزام في السجال حول مكافحة الفساد. ذلك أن أحداً من كبار السياسيين ممن راكموا مليارات الدولارات خلال وجودهم في الحكم، سيُحاسب، ولا حتى انتقائياً. النظام الطائفي كفيل بحماية هؤلاء الفاسدين. بإمكان أي منهم التلطي خلف ستار استهداف الطائفة.

والتركيز على هذه "الصغائر" التفاف على طبيعة السياسة والثقافة السياسية في لبنان. نحن شعب تحكمه طبقة ميليشيوية لا تعرف التصرف بغير ذلك، ولن تُصلح نفسها، أو تُحاسب أفرادها. هذا ضرب من الخيال. بما أن الوضع المالي سيء للغاية، ومن الضروري التحرك، حان وقت استهداف الحلقة الأضعف في هذه المعادلة: الشعب، ومن ضمنهم الذين يقفون في الطوابير يوم الانتخابات للاقتراع لهذه الطبقة السياسية بأعداد قياسية.

من أجل الحصول على استثمارات مؤتمر "سيدر"، ستخوض الطبقة السياسية معركة الإصلاحات على ثلاثة مستويات.

بداية، رفع كلفة تسعيرة الكهرباء. ودور الكهرباء هنا أساسي في العجز المالي. قطاع الكهرباء مسؤول عن 40 في المئة من العجز المالي السنوي للبلاد، بكلفة تتراوح بين مليار ونصف المليار دولار والمليارين سنوياً، وفقاً للبنك الدولي. وهذه كلفة لا طائل لها، سيما أن دولاً كثيرة باتت إما تكسب مباشرة من قطاع الكهرباء أو خصخصته.

مشكلتان لدى القطاع، وفقاً لتقارير نشرتها مجلة "اكزكيوتيف" اللبنانية الناطقة باللغة الانكليزية. أولاً، لا تُنتج الدولة حاجة اللبنانيين من الكهرباء. نحتاج في لبنان الى 3500 ميغاواط، ونُنتج 2500 فقط. ثانياً، الدولة تدعم تسعيرة الكهرباء، إذ تبيعها للمستهلك بقيمة 9.5 سنت لكل كيلو واط بالساعة، في حين تُكلفها ما بين 17 و23، لذا تصل أحياناً خسائر الكهرباء إلى ملياري دولار أميركي سنوياً. الكلفة العالية تأتي نتيجة مشكلة بنيوية في القطاع، إذ تتجه دول المنطقة للاعتماد على الغاز الأرخص والأفضل للبيئة. لكن بدلاً من الاستثمار في معامل لانتاج الطاقة بالغاز، تتجه وزارة الطاقة إلى استئجار بواخر الكهرباء بكلفة عالية على الخزينة، أو شراء الطاقة من سوريا.

اليوم، تُخطط الدولة اللبنانية لرفع كلفة الكهرباء على المواطن بقيمة 50٪ لتصل الى 14 سنت لكل كيلو واط بالساعة. عملياً سندفع فاتورة أعلى بخمسين بالمئة، وهذه كلفة ستتسرب الى قطاعات عديدة مثل الغذاء والخدمات الأساسية. ورغم الادعاءات بأن اللبناني لن يدفع فاتورتين، الواقع أن بناء القدرات اللبنانية بقدرة كيلو واط اضافي تحتاج الى سنتين على الأقل، علماً بأن الادارة الحالية للوزارة لم تفلح في ذلك لعقد من الزمن على الأقل.


ثانياً، سنرى ارتفاعاً في ضريبة القيمة المضافة وفقاً لخطط سابقة للدولة. ستصل هذه الضريبة الى 15 في المئة. وكما في الكهرباء، ستتسرب هذه الكلفة الى كل مناحي الحياة، سيما في الأساسيات، إلا في حال حصرها بمنتجات معينة.

القطاع الثالث والأخير الذي ينوي السياسيون اللبنانيون استهدافه هو موظفي الدولة. هؤلاء ينهشون برواتبهم وتعويضاتهم وتقاعدهم أكثر من ثُلث الموازنة. سيشهد التقاعد تحديداً بعض اعادة الهيكلة، بما يطال قطاعاً واسعاً من السكان المحدودي الدخل. والمضحك المبكي في القصة كلها أن الطبقة السياسية ذاتها وظّفت خمسة آلاف شخص ورفعت رواتب القطاع العام قبيل الانتخابات. وهي تعود الآن لاستهداف هؤلاء بعد عملية الاقتراع.

كل ما سبق يؤدي إلى نتيجة واحدة: ارتفاع كلفة المعيشة في لبنان بنسبة عالية، بما يزيد الناس فقراً.
شدوا الأحزمة للمزيد من الغلاء.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها