السبت 2019/03/09

آخر تحديث: 02:20 (بيروت)

معرض الدكتاتوريات العربية

السبت 2019/03/09
معرض الدكتاتوريات العربية
increase حجم الخط decrease

عندما كنا صبياناً، كنا نخرج العقارب من جحورها بالماء، وقد أخرج صبية من درعا، الدكتاتورية السورية من جحرها بشعارات على الحيطان. قبلها استدرج البوعزيزي الدكتاتورية التونسية بالنار للظهور، وبات لدينا تشكيلة واسعة من الدكتاتوريات في البلاد العربية بالألوان الخلابة، للنظر والعرض والفرجة، ولله الحمد والمنّة:

من بضائعنا التي تأخذ الألباب؛ الدكتاتورية الكوميدية، ونجدها في جمهورية مصر العربية، وقد قلَّ وصف العروبة في اسم مصر. لا يتذكر رئيسها وإعلامها العروبة إلا إذا جاعا للرز. ويمكن القول بأن من سيقضي على من بقي من إرث الناصرية العروبي هو السيسي، وليس السادات، ميراثها الإسلامي يعاني تحت التعذيب والتجريف، فالحرب على البخاري ومسلم والأزهر على أشدها. ويمكن تصنيف استبدادها ضمن دكتاتوريات الكوميديا البيضاء، مع أنها دموية حمراء، لكنها متسترة ومقنّعة بجلباب القضاء الشامخ والبشاميل. يجوز أن تُصنَّف أيضاً ضمن "الوسترن المشلتت"، ودكتاتوريات البقاء على قيد الحياة، والكوارث، مثل احتراق قطارات، وغرق بواخر، وانهيار جسور. الإعلام المصري ساحر، وقادر على تحويل الكوارث إلى فرجة شعبية وهرج و.. تحديد نسل!

ومن بضائعنا الاستبدادية التي متّعْنا بها بصر العالم، الدكتاتورية الراقصة، ونجد مثالها في السودان، وكل الدكتاتوريات راقصة، الراقص فيها هو الشعب، من الألم طبعاً، لكن الانصاف واجب، فالرئيس السوداني هو أكثر الزعماء العرب رقصاً، فالرئيس السوري لم يُرَ راقصاً قط، لأنها تحطُّ من الهيبة الرئاسية، وكذلك الرئيس المصري، وكان الرئيس العراقي يرقص في حلقة الدبكة، والملك السعودي الشيخ يرقص رقصة العرضة الوقورة بالسيف، وهو على أعتاب التسعين، ولعل رقص الرئيس السوادني مردّه الإرث الأفريقي القديم في الأعياد القربانية والطوطمية.

ومن متاعنا؛ الدكتاتورية المأساوية، أو الدكتاتورية الغامضة، وهي بالأسود والأبيض، لا فرصة لأي لون آخر، ونجد مثالها في سوريا، ويمكن تصنيف دكتاتوريها ضمن الكوميديا السوداء والإباحية والرعب، لإلحاح تلفزيوناتها على مصطلح "جهاد النكاح"، وعرضها فتيات سوريات دون سن البلوغ، محجبات، يعترفن كما لو أنهن في اعتراف الغفران في الكنيسة، بأنهنَّ قمن بسفاح القربى وجهاد النكاح، وكان آخر هذه الأفلام المصورة فيلم لسيدة مبرقعة من زوجات الدواعش، سخر الناشطون كثيراً من لهجتها وعباراتها. وهي دكتاتورية لا تخلو من إثارة نفسية، ولا تخلو من الطرب، والرقص على جثث الضحايا بعد حرقهم أو سحقهم.

 دكتاتورية الخيال غير العلمي والفانتازيا، ونجدها في الجزائر، ويمكن تصنيفها ضمن دكتاتوريات الواقعية السحرية، ليست حتى كتونس، وقد يتضايق ذوو الحس المرهف، ومن هم دون سنِّ الثامنة عشرة من تصنيفها ضمن أفلام الزومبي، أو أفلام الكسالى والجثة المتحركة، لأنها خالية حتى الآن من الضحايا. قدّمت الجزائر مئات آلاف الضحايا قبل عقدين، هناك فقط ضحية واحدة، سجلت ضمن موتى التدافع في مظاهرات العهدة الخامسة. لقد بدأ العرض منذ أسابيع، وهو مزكّى لمزيد من الدراما والتشويق.

سوريا أولى بالتصنيف في دكتاتوريات الزومبي من الجزائر، أما سبب تصنيف الدكتاتورية الجزائرية ضمن الواقعية السحرية، فلأنها تقاد من غير دكتاتور، فدكتاتورها المبجل في أرذل العمر، وفي حالة حرجة، وجهازه العصبي متعطل، وهو أخطر الأجهزة في جسم الإنسان، كما تقول التقارير الصحية من المصح السويسري، الذي تنهال عليه ثلاثة آلاف مكالمة يومياً. و لاتزال شخصيات سيادية في "حزب التحرير"، تخرج وتبشرنا بأن عقل الرئيس عقل شاب في العشرين، وأنه ضمانة الأمن والاستقرار، ورئيسها عاجز عن الفعل المقدس: استقبل، ودّع، فهو لا يستقبل ولا يودّع، لا يرقص ولا يخطب، لا يضحك ولا يبكي، "أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً". وقد نفاجأ بوزارة اسمها وزارة صحة بوتفليقة.

يُسجَّل للجزائر بأن الصف الثاني من القيادات العسكرية أبدى زهداً وتواضعاً قل نظيره في التاج الرئاسي.

دكتاتوريات المغامرات، أو دكتاتوريات الجريمة والاغتيال والخطف –الحقيقي وليس الفني خلفاً- والعنف والمهمة المستحيلة. الدكتاتورية الدينية القيامة، أبو كاليبتو، ونجدها في العراق، ويمكن تصنيف دكتاتوريها ضمن دكتاتوريات نهاية العالم والمآسي، وهي تعاني من الجوع والعطش والقتل والمذابح، سوريا أكثر استقرار منها.

يومياً يجد الباحث مبشرات على صفحات ناشطين ومثقفين عرب بالأمل، تذكّر بمصير القذافي، وزين العابدين بن علي، وعلي عبد الله صالح، ومبارك الذي لا يزال حياً ويرزق، ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم. لكن قتل الزعماء لم ينفع في أي دولة عربية، الدكتاتورية العربية خصبة، متجددة، تنهض من الرماد مثل طائر الفينيق بعقاقير غربية ومصحات سويسرية.

برلمانات الدكتاتوريات العربية، فرّقتْ في آخر مؤتمر لها بالأردن بين السياسة والسياسة، فلم يعد التطبيع شأنها، هي برلمانات خدمات! والبرلمانات جاهزة في دولتين عربيتين، هما السودان وموريتانيا لتعديل الدستور، لولا زهد رئيسيهما، وكان الدستور قد عُدّل في سوريا مبكراً، وفي مصر العمل على التعديل يجري على قدم وساق. هناك دكتاتوريات واقعية، تقليدية، خالية من "الاكشن" والتشويق، وأخرى شبابية واعدة كما في تونس، نسبة إلى عمر رئيسها الشاب في التسعين، وملكيات عضوض لها أنياب وأضراس وأسنان لبنية.

صنّف الباحث محمد عابد الجابري الدولة العربية على مراحل، هي دولة العقيدة، ودولة القبيلة، ودولة الغنيمة، ويمكن إضافة مرحلة دولة الرذيلة، ولها تصنيفات عند الباحثين الذين يفرقون بأدواتهم البحثية بين دولة الاستبداد وبين دولة الطغيان، والدكتاتوريات شاملة، وقد صنف هذا المنشور الطويل الدكتاتوريات بصفات الأفلام السينمائية والفن السابع، وأنواع الأفلام، بعد أن تحولت إلى فرجة عالمية في الأخبار اليومية.

وتنوي الدكتاتوريات إطلاق مشهد النهاية في الجزء الأول من فيلم الاستبداد الطويل، باجتماع الأخوة الطغاة إلى أخيهم الصغير الرئيس السوري، الذي حنّوا إليه، وهم يغازلونه، بعد فراق ميلودرامي، للتصدي لحليفه الإيراني كما يزعمون، لكن أوامر المخرج لم تأت بعد. جميع هذه الدكتاتوريات الفاضلة تحاسب الشعب فرداً فرداً، على القرش والكلمة، والبطل الفحل في كل هذه الدكتاتوريات المومس هو إسرائيل، التي وقعت في حبه، وسنكتشف أنّ البطل عنين و" ميعفرش".

 هناك دكتاتوريات أخرى، والبطولة شبه مطلقة، والشعب كومبارس. وجميع هذه الدكتاتوريات بياعة في سوق السياسة العالمي، أحياناً تغلق بعض الدول مثل المانيا شباك تذاكر الأسلحة عنها، كقرصة أذن لأسابيع قليلة.

العقرب حشرة سامة، ومثيرة، لا تتأثر بالإشعاع النووي، ويمكن استخلاص عقاقير وأدوية من سمّها، وهذا ما نأمل أن ينجح فيه الشعب الجزائري.



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب