الجمعة 2019/03/29

آخر تحديث: 10:38 (بيروت)

ليس لدى أميركا من ينقذها

الجمعة 2019/03/29
ليس لدى أميركا من ينقذها
Getty ©
increase حجم الخط decrease
بالنسبة للملايين من الأميركيين الذين شعروا بالرعب واليأس من أن دونالد ترامب هو رئيس الولايات المتحدة (أكثر من 50 في المائة من سكان الولايات المتحدة)، فإن تقرير المحقق الخاص روبرت مولر عن الممارسات غير القانونية والفساد المزعوم لحملة ترامب كان متوقعاً منذ أشهر. افترض الكثير من الأميركيين ببساطة أن التقرير سيكشف دليلاً على تواطؤ حملة ترامب مع روسيا، والمساعدة الخلفية من "ويكيليكس"، والانتهاكات الخطيرة لقوانين تمويل الحملات الانتخابية. 
تطلع الكثيرون منّا إلى مولر من أجل التخلص من إدارة ترامب المزعجة والمحرجة، وتأملنا في أن يضع تقريره الأسس اللازمة لمساءلة ترامب التي لا مفر منها. خلال الشهر الماضي، وبينما خرج ترامب عن نطاق السيطرة في تغريداته الصاخبة وتصريحاته العلنية الخاطئة، خلص العديد من المعلقين إلى أن الرئيس كان يشعر بالتوتر الشديد بشأن الإفراج الوشيك عن تقرير مولر. بعد كل شيء، توصل التحقيق الذي أجراه مولر بالفعل إلى 199 تهمة جنائية، وحُكم على خمسة أشخاص بالسجن، وسبعة اعترافات بالذنب، وتهم قانونية ضد ما يقرب من 40 شخصاً أو كياناً، وشخص واحد أدين في المحاكمة هو الرئيس السابق لحملة ترامب الانتخابية بول مانافورت. وقبل شهر واحد فقط، تعرّض الرأي العام للولايات المتحدة للصدمة بسبب الشهادة التي قدمها المحامي السابق لترامب مايكل كوهين، الذي اتهم الرئيس بأنه عنصري وكاذب ومخادع أمام لجنة فرعية تابعة للكونغرس.
بعد ظهر الجمعة، أعلنت النشرات الإخبارية العاجلة ما كان الكثيرون ينتظرونه منذ فترة طويلة: الانتهاء من تحقيق مولر وتسليم تقريره إلى وزارة العدل. بخلاف مولر وفريقه، المدعي العام ويليام بار، وعدد قليل من كبار المسؤولين في وزارة العدل، لم يقرأ أحد التقرير فعلياً. الأميركيون ما زالوا ينتظرون ذلك والكونغرس يطالب به. في هذه الأثناء، يشعر الرئيس والوفد المرافق له بالانتصار والاحتفال، ولكنهم أيضاً يتحضرون للانتقام. قد نرى قريباً إدارة ترامب تحقق مع مكتب التحقيقات الفيدرالي وأعضاء الكونغرس لارتكابهم "الخيانة" عبر التحقيق في انتخاب ترامب.
على الرغم من الاحتفال ببراءة ترامب وإقراره، إلا أن الإدارة وكبار الجمهوريين في مجلس الشيوخ غير راغبين في مشاركة التقرير الكامل مع الرأي العام الأميركي. خلال عطلة نهاية الأسبوع، أصدر المدعي العام تلخيصاً من أربع صفحات لتقرير مولر، مؤكداً أنه لم يعثر على أي دليل على تواطؤ حملة ترامب مع روسيا. وقعت القلوب وتاهت الأرواح في مختلف أنحاء في الولايات المتحدة، وخاصة في وسائل الإعلام من يسار الوسط، والتي كانت تأمل في العثور في تقرير مولر على أدلة لا جدال فيها حول العلاقات الشائنة في الغرف الخلفية بين عائلة ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبالتالي، الإجابة على سؤالهم الملحّ "كيف يمكن أن تكون هيلاري كلينتون قد خسرت الانتخابات أمام دونالد ترامب!".
في أقصى اليسار، شعر المعلقون بالارتياح لأن التحقيق قد انتهى أخيراً، مما أتاح مجالاً لمواصلة بذل المزيد من الجهود الجوهرية لتقييد ترامب، وتقديم استراحة من تركيز وسائل الإعلام فقط على تحقيق مولر على مدار الاشهر ال 22 الماضية. تلقى الكثير من القضايا الملحة، المحلية والأجنبية، تغطية ضئيلة أو معدومة، في حين تكهّن الصحافيون والنقّاد بلا كلل بشأن جميع الأوساخ الضارة التي سيكشف عنها مولر حتماً حول استيلاء ترامب وشركائه غير القانوني على الإدارة التنفيذية.
بعد خمسة أيام من تقديم مولر تقريره، ما زلنا لا نعرف على وجه اليقين ما يقول أو لا يقول. يشعر الرئيس ومؤيدوه في مجلسي النواب والشيوخ، فضلاً عن وسائل الإعلام اليمينية، وعلى الأخص قناة "فوكس نيوز"، بأنهم اكتشفوا أن مولر لم يعثر على أي دليل على التواطؤ (جريمة لا يمكن الاستغناء عنها)، ويقومون الآن بوضع إطار للتغطية الصحافية لتحقيق مولر على مدى العامين الماضيين على أنها "أخبار مزيفة" و"مطاردة ساحرات" وهجوم غير مبرر على الرئيس. لكن الدوران الاحتفالي الذي يضعه البيت الأبيض والحزب الجمهوري على تقرير مولر لا يمكن أن يمحو بعض الحقائق المثيرة للقلق: لقد حاول العملاء الروس بالفعل التأثير على الانتخابات من خلال التلاعب بوسائل التواصل الاجتماعي. أجرى كبار المسؤولين في إدارة ترامب اتصالات غير عادية ومشبوهة مع السفير الروسي في كانون الأول/ديسمبر 2016، وسيذهب بعضهم إلى السجن بسبب الكذب بشأن تلك الاجتماعات. لا تزال هناك أسئلة جادة يجب الإجابة عنها حول جهود الرئيس لبناء برج ترامب في موسكو، بعدما أصبح مرشح الحزب الجمهوري للانتخابات، وتصرف ترامب الغريب خلال مؤتمره الصحافي المشترك مع بوتين الصيف الماضي عقب اجتماع تم منع مساعديه من حضوره.
بعدما اصبح تحقيق مولر خلفه، يبدو ترامب غير مقيد بالقوانين أو الحقائق أو السوابق. كان آخر عمل شائن له هو الاعتراف من جانب واحد بمرتفعات الجولان المحتلة كأرضٍ إسرائيلية، في انتهاك للقانون الدولي. من الواضح أن ترامب استمتع هذا الأسبوع بتصوير نفسه كضحية للديموقراطيين "الخبيثين" الذين حاولوا إسقاطه، ولكنهم فشلوا. وقد ساعده هذا بالتأكيد أمام الآلاف من جماعات الضغط، والناشطين، والمسؤولين الحكوميين في الاجتماع السنوي ل"إيباك" في العاصمة واشنطن، وعزّز التحالف بين اليمين المتطرف الإسرائيلي، واليمين المتطرف الأميركي، والمسيحيين الإنجيليين، وجميعهم يزدهرون على أوهام الضحية والاستياء الذاتي. على الجبهة الداخلية، يعتزم ترامب الآن تفكيك قانون الرعاية الصحية بأسعار معقولة، والمعروف أيضًا باسم "أوباما كير"، ولم يتمكن مجلس النواب الذي يهيمن عليه الديموقراطيون، من جمع أصوات كافية للتراجع عن إعلان الطوارئ الصادر عن ترامب والذي يمهد الطريق لبناء الجدار على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة.
على الرغم من التفاخر مراراً وتكراراً بأنه بريء "100 في المائة"، إلا أن ترامب ليس بريئاً بعد، من الناحية القانونية. في الوقت الذي أصيب فيه ملايين الأميركيين بصدمة بسبب فشل تحقيق مولر في إزاحة الرئيس الأكثر خطورة والأقل أمانةً في تاريخ البلاد، تتجه الأنظار إلى الإجراءات القانونية ضد ترامب وعائلته ومؤسسته في المنطقة الجنوبية من نيويورك، حيث النتائج التي لن يتم تسليمها إلى وزير العدل ليخفيها عن الرأي العام. لكن ينبغي على غالبية المواطنين الأميركيين الذين يشعرون بالاشمئزاز من ترامب أن يحرصوا على عدم البحث عن المدعين العامين في المقاطعة الجنوبية في نيويورك بوصفهم منقذين سيخلصوننا من شر حقبة الرئيس الخامس والأربعين الفوضوية. سيتعين علينا، نحن الشعب، القيام بالكثير والكثير من الجهد لضمان عدم إعادة انتخاب ترامب في العام المقبل. هذا يعني التركيز على القضايا التي يهتم بها معظم الأميركيين، الرعاية الصحية، إدمان المواد المخدرة، تغير المناخ والبنية التحتية المتهالكة، بدلاً من تكريس كل وقتنا واهتمامنا وتغطيتنا الصحافية وعواطفنا على الخيال بأن الإجراءات القانونية ستخلصنا من ترامب. علينا أن ننقذ أنفسنا والبلاد. الحقيقة القاسية والكئيبة هي أنه لا يوجد سلاح فرسان يأتي لإنقاذنا.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها