الإثنين 2019/03/25

آخر تحديث: 14:51 (بيروت)

الجهاديون: الصين أولاً

الإثنين 2019/03/25
الجهاديون: الصين أولاً
increase حجم الخط decrease

الجهاديون: الصين أولاً


لم تعد الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة جاذبة بالقدر ذاته للجهاديين في المنطقة، سيما في ظل جولات وصولات القمع الدموي للنظام السوري، وقتل المتظاهرين بدم بارد في أنحاء متفرقة من العالم العربي. وعلى بعد آلاف الكيلومترات من منطقتنا، تغزو صور أحداث بورما حيث يُواجه الروهينغا حملة ابادة ممنهجة من السلطة بتحريض من بعض الأقطاب الدينية، مخيلة الكثير من الجهاديين. وبشكل متزايد، تحتل ولاية شينجيانغ شمال غربي الصين، والمعروفة أيضاً بإسم "تركستان الشرقية"، مكاناً متقدماً في لائحة المظلوميات الجهادية.

ومنذ أكثر من سنة، تشهد هذه الولاية، حملة أمنية صينية مكثفة عنوانها "مكافحة الإرهاب"، تشمل سجن مئات آلاف المسلمين من إثنية الأويغور (التركستان) لإعادة "تثقيفهم" ودمجهم"، وفقاً لتقارير اعلامية وحقوقية غربية. بعض المنظمات الحقوقية الغربية يتحدث عن أكثر من مليون مسلم في هذه المعسكرات، وعن تعذيب واعتقال للأقارب وإجراءات مراقبة غير عادية.

منذ العام الما ضي، تتراكم الأدلة على حجم المأساة في هذه الولاية، من صور الأقمار الصناعية، إلى شهادات الناجين من هذه المعسكرات، وأخيراً فيديو مسرّب من الداخل. تُظهر الصور منشآت ضخمة أُقيمت أخيراً لاستقبال المحتجزين ضمن البرنامج الصيني المعد مسبقاً، والذي يشمل تعلم لغة الماندرين (الصينية الرسمية) وبعض الأناشيد الشيوعية الصينية. بالمحصلة، واحد من كل عشرة أويغور على الأقل (مليون أو أكثر من أصل 11 مليوناً هم مجموع الأويغور) دخل إلى هذه المعسكرات بهدف "اعادة التثقيف"، ومنهم من قضى، أو فقد الاتصال بعائلته. وفقاً للتقارير الغربية، اقتادت السلطات الصينية إلى هذه المعسكرات عائلات المشتبه بهم من إسلاميين ومعارضين، لكنها أضافت إليهم أي أويغوري له أقارب في واحدة من 26 دولة "حساسة". وهذه دائرة واسعة للمستهدفين، وهي تتسع تدريجياً لتشمل الكتلة السكانية الكبرى.

الرواية الرسمية الصينية تربط بين هذه الحملة، وبين مكافحة الإرهاب والتطرف عبر الدمج الثقافي أو إعادة التثقيف من جهة، وبين تأهيل هذه المجموعة السكانية للتنافس في سوق العمل. لكن في هذه الرواية ثغرات، أهمها وجود ضحايا قضوا في المعسكرات، وناجين تحدثوا عن تعذيب واحتجاز قسري للنزلاء. ونظراً إلى العدد الهائل من المقيمين في هذه المعسكرات، باتت المسألة التركستانية عنواناً دائماً في الصحافة الغربية.

ولكن أيضاً في الأوساط الجهادية، تحتل القضية الأويغورية أو التركستانية، مساحة أوسع، نتيجة جهود الأويغور أنفسهم، وتحديداً في سوريا حيث ينشط "الحزب الاسلامي التركستاني" الأويغوري، ويُقاتل إلى جانب فصائل متعددة، على رأسها "هيئة تحرير الشام" و"تنظيم حراس الدين". أمير الحزب الشيخ عبد الحق التركستاني أصدر تسجيلاً صوتياً هذا الشهر يدعو فيه "علماء الأمة الاسلامية" إلى نصرة الأويغور في الصين، وتحدث فيه عن "أندلس جديدة تئن أمامكم وشعب مسلم كبير يباد في (أمام) أعينكم فكيف تسكتون". في هذا النداء، يطالب التركستاني "العلماء" وبينهم بحسب الصورة زعيم "القاعدة" أيمن الظواهري وشخصيات أخرى من حركة "طالبان" الى الشيخ هاني السباعي المقيم في لندن، بأن "تتقوا الله فينا ولا تتركونا في هذا الوقت الحرج ولا تشاهدونا بقلوب باردة ونحن نسجن ونقتل ونقهر ونذل".

النداء مهم لجهة استثمار الشيخ شبكة علاقات مع بقية الجهاديين، إذ أن التركستان قدموا تضحيات ليس فقط في القتال مع المجموعات الأخرى في سوريا، بل أيضاً في أفغانستان حيث ما زال المقاتلون الأويغور يُناصرون حركة "طالبان" الأفغانية.

الأساسي هنا أن الصين باتت على قائمة أعداء الجهاديين، وقد ترتفع في المرتبة والأهمية كلما تسربت أنباء عن حملتها الواسعة على الأويغور في شمال غربي البلاد. الفارق هنا أن الصين أقل استعداداً من الولايات المتحدة لمثل هذه المواجهة، ولها علاقات ومصالح اقتصادية لم تُقابلها بنفوذ سياسي وأمني وعسكري. هي عدو قد يراه الجهاديون قابلاً للعطب.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها