الثلاثاء 2019/03/19

آخر تحديث: 06:19 (بيروت)

"بدنا نعيش".. ربيع أيضاً؟

الثلاثاء 2019/03/19
"بدنا نعيش".. ربيع أيضاً؟
"حماس" توزع الحلوى في رفح "احتفالاً" بعملية في الضفة الغربية أسقطت قتيلاً إسرائيلياً وجريحَين (غيتي)
increase حجم الخط decrease
من شارع الترنس في مخيم جباليا، انطلقت الاحتجاجات، ومنها إلى دير البلح وخانيونس وصولاً إلى رفح. انطلقت الشرارة الأولى لمظاهرات "بدنا نعيش"، الخميس الماضي، وبدعوات في شبكات التواصل الاجتماعي. وربما كان السبب المباشر هو حزمة الضرائب والرسوم الجمركية الجديدة التي فرضتها حكومة "حماس"، الشهر الماضي، والتي طاولت سلعاً تموينية كالخبز واللحوم، وغيرها كالدخان والسيارات.

حصار دام 11 عاماً، تخللتها ثلاثة حروب، مع عقوبات تفرضها السلطة في رام الله على موظفيها هناك، وحدود مغلقة بشكل شبه دائم مع مصر، رواتب مخصومة، وبنية تحتية متداعية، وغارات إسرائيلية لا تتوقف، وحد أدنى من الخدمات الطبية، ومولدات كهرباء ومحطات مياه تعمل أو لا تعمل بحسب الظروف... فقر وصلت نسبته إلى 80%، وبطالة تطاول 52% من السكان، وتقفز إلى 73% بين حَمَلة المؤهلات العليا.. هذه كلها أسباب معقولة للانفجار، لكن ضد مَن؟ كان هذا السؤال ويظل معضلة سكان غزة. فمظاهرات ضد "حماس" تعني انتصاراً ضمنياً لإسرائيل، وهتافات ضد قياداتها هي حتماً نقاط لصالح السلطة في رام الله، السلطة نفسها التي تعاقبهم من بعد. كانت احتجاجات العودة على الحدود مع إسرائيل، والتي بدأت قبل عام تقريباً، في جانب منها، تنفيساً عن كل تلك التراكمات، وظفته "حماس" لصالحها. وانتهت المسيرات التي نظر لها المتعاطفون بمزيج من الإجلال والشفقة، بأكثر من 180 قتيلاً ومئات الجرحى، في مقابل تخفيف جزئي لشروط الحصار.

لكن "حماس" التي لجمت مسيرات العودة، بضغوط أو وساطة من مصر، وبحسابات براغماتية دقيقة، قررت أن تخمد تظاهرات "بدنا نعيش"، بعنف، استدعى إدانة نيكولاي ملادينوف، المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط. وتشير الأخبار- التي يصلنا القليل منها - إلى حملة اعتقالات طاولت المئات، ومقاطع مصورة لمطاردات في الشوارع وإطلاق للنار الحي في الهواء ورشق بالحجارة وإطارات مشتعلة، وصور لجرحى ومصابين بينهم نساء.

هذه ليست الاحتجاجات الأولى في القطاع، ولا المرة الأولى التي تمارس فيها "حماس" القمع ضد سكانه. لكن السياق الإقليمي الأوسع الذي ترتبط به "بدنا نعيش"، ربما يفسر رد الفعل المبالغ في عنفها تجاهها. ففيما تراكم هتافات "الشعب يريد إسقاط النظام" مكاسبها المعنوية وزخمها، في الجزائر، وتتواصل مظاهرات السودان بالرغم من بعض علامات الفتور، ويتم الحديث عن موجة ثانية للثورات العربية، أو عودة لربيعها المغدور، تخشى "حماس" أن تتحول تظاهرات ضد غلاء الأسعار إلى مطالبات بإسقاطها. تواجه الحركة، التي يرعبها مصير جماعة الإخوان في مصر، ما تراه معركة وجودية، ليس مع إسرائيل هذه المرة، بل مع فلسطينيي غزة الواقعين تحت سيطرتها.

تتخبط الحركة في أزمتها الطويلة الناتجة عن جمعها بين مشروع المقاومة ومشروع الحكم، فلم يعد يمكنها أن تلقي بالمسؤولية على الخصوم دائماً، أي أن تكون الضحية والسلطة في الوقت نفسه.

سارعت الحركة، كما كان متوقعاً، إلى اتهام "فتح" وسلطة رام الله بتدبير التظاهرات، بغية إضعافها، ونظمت من جانبها مسيرات مؤيدة لإثبات أن معارضيها مأجورون، يطعنون المقاومة في ظهرها. خرج الاستعراض العسكري لكتائب القسام، ضد مظاهرات الجوع، وفي مواجهة احتجاجات لا تطالب سوى بالـ"عيش"، كدلالة أخيرة على العار الذي لحق بشعارات المقاومة، وبحركات التحرر التي انتهت إلى مشاريع للقمع باسمها في المنطقة، وعلى التخريب الذي لحق بالنضال الفلسطيني حتى يصل إلى هذه اللحظة المخزية. إلى الآن، لا يبدو أن "بدنا نعيش" مقدمة لربيع من أي نوع، بل أقرب إلى ومضة غضب في خريف طويل وحزين.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها