الإثنين 2019/03/18

آخر تحديث: 07:14 (بيروت)

الشرخ الإيراني بين أوروبا وأميركا

الإثنين 2019/03/18
الشرخ الإيراني بين أوروبا وأميركا
increase حجم الخط decrease
خلال الأسابيع الماضية، توالت الإعلانات الأوروبية والإيرانية عن آليات جديدة لتجنب العقوبات الأميركية على طهران، بعد انسحاب إدارة الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي منتصف العام الماضي. مطلع الشهر الجاري، كشفت فرنسا وألمانيا وبريطانيا النقاب عن الآلية لدعم التبادل التجاري (إنستكس-INSTEX)، بقيادة الخبير المالي الألماني بير فيشر، على أن تكون باريس مقرها. في المقابل، أسس المصرف المركزي الإيراني مؤسسة التجارة والمال في طهران، من أجل ضمان التعاون بين الطرفين في إبرام صفقات ذات طابع انساني، بعيداً عن سيف العقوبات الأميركية.

لكن الخطوة الأوروبية لم تصل الى نهاياتها السعيدة بعد، ودونها مناورة لتحقيق مكاسب، وأيضاً تهديدات أميركية تهدف إلى الحد من آثار هذه المحاولات لإنقاذ الإتفاق النووي الإيراني، ومن ورائه النظام.

بداية، في خصوص المناورة الأوروبية مع إيران، يُضاف إلى التأجيل المتواصل للآلية الخاصة منذ حزيران (يونيو) الماضي، طلب أوروبي بالتفاوض في شأن بنود لم يشملها الاتفاق النووي. رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني الشيخ صادق آملي لاريجاني ذكر شرطين تحديداً هما محادثات حول النشاط الصاروخي الإيراني، وأيضاً الدخول في "فريق العمل المالي"، وهي منظمة دولية لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. هذه المنظمة تأسست عام 1989 بطلب من مجموعة السبعة، وتحث على الشفافية المالية والتعاون بين الدول الأعضاء، وفيهم من المنطقة إسرائيل وتركيا.

وفقاً للمنطق الإيراني، سيُعرّض الانضمام الى هذه المنظمة، إيران، لمزيد من العقوبات الأميركية، إذ سينكشف أمامها النظام المالي المحلي. بكلام آخر، تُحاول هذه الدول الأوروبية تحقيق مكاسب جديدة غير مشمولة بالاتفاق النووي، سيما أن عامل الوقت ليس في مصلحة إيران المرهقة نتيجة موجتين من العقوبات الأميركية العام الماضي. ولو احتسبنا العقوبات الأميركية المرتقبة على طهران هذا الصيف، لا يبدو الموقف المالي للدولة الإيرانية قابلاً للحياة. كما أن مشهد الاحتجاجات في فنزويلا وقطاع غزة، يؤرق القيادة الإيرانية، ويضعها في موقف صعب أمام الأطراف الأوروبية الملتزمة بالاتفاق.

لكن قرار الالتزام الأوروبي بالاتفاق، ليس مجانياً، نظراً لكلفة مواجهة الولايات المتحدة التي باتت مواجهة ايران ولجم طموحاتها، على رأس سلم أولوياتها. كان ذلك بادياً في كلام مايك بنس نائب الرئيس الأميركي الذي دعا الحلفاء الأوروبيين إلى التخلي عن الاتفاق النووي. بنس وصف الآلية المالية الخاصة بأنها "خطوة سيئة وغير محتسبة ستُعزز إيران، وتُضعف الاتحاد الأوروبي وتزيد المسافة بين أوروبا والولايات المتحدة. كلام نائب الرئيس الأميركي جاء في مؤتمر وارسو حول إيران، والذي كان الحضور الأوروبي فيه أقل من العادة، بما يؤشر إلى هذا التباعد.

ذلك أن أوروبا، حتى وإن حاولت الحصول على المزيد من الإيرانيين، تشق طريقاً صعباً بعيداً عن الهيمنة الأميركية على عالم التحويلات المالية. من الصعب أن يمر الإفراط الأميركي في استخدام سلاح العقوبات يمنة ويسرى، دون إجراءات أو خطط لاقرار استقلالية مالية أكبر للشركات الأوروبية، ومثلها للسياسيين في انتهاج سياسات بمعزل عن الإرادة الأميركية المتقلبة. مثّلت إيران التعبير الأكثر وضوحاً لهذه الهيمنة على عالم المال. لكن الأسوأ بالنسبة للأوروبيين، أن واشنطن أظهرت في آن، قدرة هائلة على الهيمنة المالية دون الاكتراث بـ"الحلفاء"، مصحوبة بإدارة لا تقيم وزناً للقيم الديموقراطية واحترام المؤسسات في الحكم.

ونظراً لهذا السياق، يُوحي الإصرار الأوروبي على الآلية الخاصة، بأن هذه سياسة تتجاوز إيران أو انقاذ الاتفاق النووي معها، إلى تحدي واشنطن بشكل صريح، وربما غير مسبوق منذ نهاية الحرب الباردة. لهذا السبب تُحذر الخارجية الأميركية الأوروبيين، وتُلوّح بعقوبات على من يشغل مناصب في الآلية الخاصة (ربما لهذا السبب عيّنت الدول المؤسسة للألية، دبلوماسيين فيها). أكثر من عبر عن هذا الخوف الأميركي، هو وزير الخزانة السابق جاك لو. اعتبر الاجراءات الأوروبية بمثابة بُنى تحتية مالية جديدة تحد من مركزية الولايات المتحدة، وتلتف عليها. صحيح أن الاتفاق النووي الإيراني عنوان هذه المبارزة، لكن من الواضح أن دونه افتراقاً ومخاوف أعمق على رأسها التهديد الأكبر للأمن الأوروبي: روسيا الصاعدة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها