الإثنين 2019/03/18

آخر تحديث: 07:05 (بيروت)

خامنئي إذ يختار خليفته

الإثنين 2019/03/18
خامنئي إذ يختار خليفته
increase حجم الخط decrease
قليلون من لا يعترفون بان ابراهيم رئيسي هو الشخصية الاكثر نفوذا وسلطة في تركيبة النظام الايراني بعد المرشد آية الله علي خامنئي. النفوذ والسلطة توفرت لرئيسي قبل ان يتولى رئاسة السلطة القضائية التي تعتبر احد أضلع السلطات الثلاثة في هرمية النظام في مؤسساته المدنية الى جانب السلطتين التنفيذية والتشريعية.

رئيسي الذي بات قاضي القضاة، احتفظ بمنصبه ايضا كمدعي عام محكمة رجال الدين الخاصة، ووالياً او متولياً او سادناً للحضرة الرضوية التي تعتبر واحدة من اغنى المؤسسات الايرانية، الى حين الاتفاق على خليفة له في هذه المؤسسة التي ستبقى خاضعة لنفوذه وسلطته بعد مغادرتها.

رئيسي الذي استطاع فرض نفسه كمرشح وحيد ومحل إجماع "من فوق" للتيار الاصولي والمتشدد في الانتخابات الرئاسية في مواجهة الرئيس الحالي حسن روحاني في العهدة الثانية، لم يستطع ان يحدث التحول الذي كان يريده النظام او الدولة العميقة باخراج روحاني من دائرة القرار واستعادة او استرجاع الهيمنة على السلطة التنفيذية التي تستكمل دائرة السيطرة على الرئاسات الثلاثة، فخسر الانتخابات الا انه استطاع الحصول على نحو 16 مليون صوت اعتبرها كافية لفرض نفسه شريكا في السلطة مع روحاني كممثل لهذه الشريحة المعارضة للتوجه الذي يمثله روحاني من معتدلين واصلاحيين في حينه.

وقد لا يكون كلام رئيس مجلس خبراء القيادة ومجلس صيانة الدستور آية الله احمد جنتي آتياً من فراغ تعليقا على قرار المرشد الاعلى اختيار ابراهيم رئيسي رئيسا للسلطة القضائية بعد فراغ المنصب بانتقال صادق لاريجاني الى رئاسة مجمع تشخيص (تحديد) مصلحة النظام، عندما قال "اقبل يد قائد الثورة لاختياره اخونا العزيز والمبجل السيد رئيسي، فاليوم كل اعداء الثورة منزعجون من هذا الاختيار".

الدفع برئيسي من جديد الى صدارة القرار والسلطة لم يقف عند حدود محاولة ايصاله لرئاسة للجمهورية، فقد لجأ المرشد الى الطريق الاقل كلفة والتي لا تسبب اي ازمة على مستوى التمثيل الشعبي، فاعتمد على صلاحياته المنصوص عليها بالدستور في الفقرة 6- ب من المادة 110 التي تحصر حق تعيين رئيس السلطة القضائية في يد المرشد وذلك من اجل وضعه على رأس واحدة من اكثر الرئاسات تأثيرا في مستقبل ايران ونظامها السياسي الى جانب رئاسة الجمهورية.

الاصرار على ان يكون رئيسي على رأس اي من السلطتين الاساسيتين في تحديد مستقبل ايران، كان لا بد ان يستكمل من خلال انتخابه نائباً لرئيس مجلس خبراء القيادة، وقد يكون هذا الاختيار ايضا تمهيداً لتولي رئاسة هذا المجلس في حال غياب رئيسه الحالي جنتي الطاعن في السن.

ولفهم اهمية هذه الخطوات واثرها على مستقبل النظام لا بد من التوقف عند المادة 111 من الدستور التي تختص بآليات قيادة المرحلة الانتقالية واختيار خليفة المرشد في جميع الحالات الممكنة. فقد نصت هذه المادة على "... وﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ وﻓﺎﺓ اﻟﻘﺎﺋﺪ أﻭ اﺳﺘﻘﺎﻟﺘﻪ أﻭ ﻋﺰﻟﻪ، ﻳﺘﻮﻟﻰ اﻟﺨﺒﺮﺍﺀ ﺑﺄﺳﺮﻉ وﻗﺖ ﺗﻌﻴﻴﻦ اﻟﻘﺎﺋﺪ اﻟﺠﺪﻳﺪ وإﻋﻼﻥ ذﻟﻚ. وﺣﺘﻰ ﻳﺘﻢ إﻋﻼﻥ اﻟﻘﺎﺋﺪ، ﻳﺘﻮﻟﻰ ﻣﺠﻠﺲ ﺷﻮرﻯ ﻣﺆﻟﻒ ﻣﻦ رﺋﻴﺲ اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ، ورﺋﻴﺲ اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﻘﻀﺎﺋﻴﺔ، وأﺣﺪ ﻓﻘﻬﺎﺀ ﻣﺠﻠﺲ ﺻﻴﺎﻧﺔ اﻟﺪﺳﺘﻮﺭ، ﻣﻨﺘﺨﺐ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻣﺠﻤﻊ ﺗﺸﺨﻴﺺ ﻣﺼﻠﺤﺔ اﻟﻨﻈﺎﻡ، ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺴﺆوﻟﻴﺎﺕ اﻟﻘﻴﺎدﺓ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺆﻗﺖ. وإذﺍ ﻟﻢ ﻳﺘﻤﻜﻦ أﺣﺪ اﻟﻤﺬﻛﻮرﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﻮاﺟﺒﺎﺗﻪ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ اﻟﻔﺘﺮﺓ (ﻷﻱ ﺳﺒﺐ ﻛﺎﻥ) ﻳﻌﻴﻦ ﺷﺨﺺ آﺧﺮ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﻪ، ﺑﻘﺮاﺭ ﻳﺘﺨﺬﻩ ﻣﺠﻤﻊ ﺗﺸﺨﻴﺺ ﻣﺼﻠﺤﺔ اﻟﻨﻈﺎﻡ ﺑﺄﻛﺜﺮﻳﺔ اﻟﻔﻘﻬﺎﺀ ﻓﻴﻪ..." في حين اشارت المادة 110 في جزء منها على "...وﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﻘﺎﺋﺪ أﻥ ﻳﻮﻛﻞ ﺷﺨﺼﺎ آﺧﺮ ﺑﺄدﺍﺀ ﺑﻌﺾ وﻇﺎﺋﻔﻪ وﺻﻼﺣﻴﺎﺗﻪ."

فاختيار رئيسي للسلطة القضائية يضعه دستوريا في صلب الدائرة الضيقة التي ستتولى المرحلة الانتقالية او احد ابرز المرشحين لتولي هذا المنصب من خلال ما له من تأثير على آليات الاختيار ومدى قربه من مرشد النظام وقدرته على كسب ثقته، وهو ما نجح فيه رئيسي في المرحلة السابقة والتي جعلته الشخصية الاقرب للمرشد من بين بقية الشخصيات الايرانية، وقد برزت اهمية هذه العلاقة في مشاركة رئيسي بإستقبال الرئيس السوري بشار الاسد عند المرشد في حين غاب روحاني رئيس الجمهورية عن هذا الاستقبال.

وقد سبق هذا التعيين في السلطة القضائية ونيابة رئاسة مجلس الخبراء، قرار بتعيين رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الاتي من رئاسة القضاء صادق لاريجاني عضوا في مجلس صيانة الدستور كأحد الفقهاء الستة الذين يعينهم المرشد الى جانب القانونيين الستة المدنيين الذين يرشحهم رئيس القضاء المعين من قبل المرشد.

واذا ما كان ضلعا مجلس الشورى الانتقالي المنصوص عليه دستوريا قد حددا في رئيس الجمهورية حسن روحاني ورئيس القضاء ابراهيم رئيسي، فان الضلع الثالث، ومن خلال الاجراءات التي تم اتخاذها لن يكون سوى صادق لاريجاني رئيس مجمع تشخيص المصلحة، كون هذا المجلس هو الذي يتولى اختيار العضو الثالث من بين اعضاء مجلس صيانة الدستور الذي بات لاريجاني عضوا فيه بقرار من المرشد.

وامام امكانية حصول منافسات بين الاقطاب الثلاثة، فان الارجحية ستكون لرئيسي في ان يكون الشخصية التي تحظى بالحظ الاوفر لتولي موقع القيادة في المستقبل، خاصة وان الحرب على اضعاف رئيس الجمهورية واظهاره بالعاجز عن ادارة الازمة قد استطاعت ان تؤتي ثمارها، اما في ما يتعلق بالترجيح بين رئيسي ولاريجاني، فهنا لا بد من التوقف عند ما تريده المؤسسة العسكرية وتحديدا حرس الثورة حيث يغيب الانسجام بينها وبين لاريجاني، ما يعطي رئيسي ارجحية في اختيارها. على امل ان يكتسب رئيسي تجربة ادارية كافية في ادارة الدولة والملفات بالمرحلة المقبلة وان لا تتكرر تجربة احمدي نجاد في بلدية طهران قبل رئاسة الجمهورية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها