السبت 2019/03/16

آخر تحديث: 07:00 (بيروت)

هذا هو السوبرمان العربي!

السبت 2019/03/16
هذا هو السوبرمان العربي!
increase حجم الخط decrease
عزيزتي جيسيكا

أما بعد..

حال موعد طائرتك دون إكمال حديثنا، وكنا نتحدث عن الشخصيات الخارقة في هوليود، وسأخبرك أموراً، يجتمع فيها الخبر والتفسير والتأويل، وأقارن فيها بين شخصيات العرب وشخصيات الغرب الخارقة.

أوّلها إنّ المفكر المصري الموسوعي عبد الوهاب المسيري قدَّم تفسيراً لولع السينما الأمريكية بالصحون الطائرة وسينما الرعب والشخصيات الخارقة، فقال: إنها تعويض ديني سببه العلمنة الامبريالية الشاملة، وله تعريفات طويلة تستغرق كتباً عن العلمنة الجزئية والعلمنة الشاملة. وقد خلقت السينما والمجلات المصورة شخصيات خيالية مثل الرجل الخارق، والرجل البرق، والرجل الناري، والرجل الأخضر "هالك"، أمّا الرجل الخفي فأصله في ألف ليلة وليلة، التي غزت العالم وسحرت أدباءها، ووسيلته في الإخفاء قبعة، وفي الأفلام الأمريكية الساعة هي وسيلة الإخفاء، والأولى أولى، وكثير من حكايات ألف ليلة وليلة إخباريات عربية جُعِلت فيها من أجل أن يصل عدد الحكايات إلى ألف ليلة زائد واحد. ولو اطلعت على تفسير القرطبي وتفسير الثعلبي لوجدت من أعاجيب المرويات ما يجعل الخيال مشدوهاً، لكن الملفت أنّ كثيراً من الشخصيات الخارقة في المخيال الأمريكي اقتبست من الحيوانات مثل "باتمان"، "سبايدر درمان" و"كات وومن" "وولف مان"، وهي أشكال عصرية من الطوطمية المعاصرة.

الثاني إنّ الأدب العربي يختلف عن الأدب الأمريكي في أن الخيال العربي في السير الشعبية لم يجترح قط ارتكاب خطيئة تحول الإنسان إلى حيوان، إلا مسخاّ وعقاباّ، فسيف بن ذي يزن تخدمه الجان والعفاريت ويركب حصان الخوّاض ذي الرأس، وتدين له الإنس والجن وتخدمه، وهو صورة ثانية عن النبي سليمان عليه السلام، وكذلك في ألف ليلة وليلة التي يختلط فيها الخيال العربي بالخيال الفارسي، ومردُّ ذلك، أنّ القرآن الكريم جعل الإنسان سيد المخلوقات "ولقد كرمنا بني آدم"، فلا نكوص عن درجته.

الثالث هو إني أزعم أني عشت مع جيلي، جميع الشخصيات الهوليودية الخارقة، وإذا كان الأمريكي قد اختلقها خيالاً لأحلامه، فإن السوري قد عاشها. وكانت مدارسنا، ومازالت، سجوناً لها أسوار وأبواب سوداء، تغلق في موعد ثابت، فنضطر إلى تسلق الأسوار مثل، أو نهرب من عقوبة، أو من درس في التربية الوطنية، فكنا نتحول إلى "سبايدر كيدز"، وكنا نزحف كثيراً في درس التربية العسكرية، فنرتد من رتبة الثدييات إلى الزواحف. مررنا بتطورات اللاماركية والداروينية كلها، لكن لم نبلغ بعد رتبة الإنسان، وعندما كبرنا قليلاً، وكانت الدولة قد بدأت بتأميم القمح، فوقفنا في طوابير انتظاراً لرغيف الخبز، فعشنا مرحلة الرجل الخشبي "وود مان"، و"الشعب الغنم"، وعندما كشرت الدولة الموقرة عن أنيابها عشنا عهد "النظام الذئب"، و"المواطن الأرنب"، وأكثر شخصية لعبها المواطن السوري هي شخصية "الرجل الحرباء"، في الشارع أصفر من الرعب، وفي البيت أحمر من الغضب، وفي العمل أبيض من الفجل. الشخصية الوحيدة التي لم يلعبها السوري، ومثله العربي بعامة كما أخبرتك، هي "الرجل الإنسان"، وهذ تعبيرات لا تجيزها العربية. وهناك شخصية أخرى خارقة لم يتح لنا التدرب عليها هي "الرجل السمكة"، وتزعم دراسات، أنّ النّون وهو الحوت أصل الانسان. عندما غادرنا بلادنا هرباً من البراميل والمعتقلات غرق أكثرنا في البحار، وما تدربنا عليها لأن بلادنا لم يكن فيها مياه، سوى للشرب، وكهرباء سوى للتعذيب، ونار، للحرق لا للطبخ. لاحقاً سمعنا بشخصيات خارقة وخرقاء في التلفزيونات السورية مثل "مذيعة المطر"، و "مذيعة المصالحات"، وهي حكر على شخصيات الإعلام المبصر. وفي مصر اشتهرت شخصيات مثل "امرأة العربة"، و"فتاة المول"، و"فتاة العتبة"، وهن ضحايا الفقر أو التحرش، وهي كما تلاحظين منسوبة إلى الأمكنة، وفي الجهة المقابلة شخصيات شهيرة أيضا مثل مذيعة المطر السورية التي زعمت أنّ المتظاهرين السوريين إنما تظاهروا فرحاً بالمطر، وكوفئت على خيالها الخصب بالعمل في فضائية الميادين، و"مذيعة المصالحات"، التي تقوم بأعمال سياسية، وذلك بإكراه الضحية على الاعتذار من الجلاد. وهناك أيضا "الرجل الواقف وراء عمر سليمان"، وعظمته في أنه وقف وراء عمر سليمان! الحياة وقفة عز.

الرابع يا مولاتي؛ إنّ الاعلام العربي إعلام خوارق، عمله هو عمل شهرزاد، وغرضه إلهاء الشعب عن الاستيقاظ، وتضخيم الرئيس، وجعله رجلاً خارقاً مثل السوبر مان، وترين أحسن مثال في صورة رئيس الجزائر، الذي يمكن أن نطلق عليه اسم "الرجل الكرسي"، ولدينا "الرئيس الرز" و"ذنب الكلب".. وأفيدك في أن النبي سليمان، وهو الذي أوتي ملكاً لم يؤته أحد من العالمين، مات واقفاً، ولم يكشف موته سوى النمل الذي أكل العصا التي يتوكأ عليها.

وأريد أن أختم مقالي قائلاً: إن الرجل الخارق في البلاد، ليس من كوكب آخر مثل نبتون، هو عادة  من قرية نائية، أو من العاصمة، من حي شعبي، متوسط الذكاء، أخرق أحياناً، مسعور، كلبان، يملك البلاد والعباد، ويمكن أن نطلق عليه صفة "الرجل الكرسي"، وهو غير شيرمان بالتعبير الإنكليزي، أما "رِجل الكرسي"، فهو تعبير معاصر يقصد به الرجل الذي ليس له شأن، هو غير الرجل الخارق، إنما "الرجل الخروق". وقد جمع أكثر من رئيس عربي هاتين الصفتين. وكلما حكَّ رئيسكم الأمريكي خاتمه، هتف الرئيس العربي المفدى: شبيك لبيك عبدك بين يديك.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب