الأحد 2019/03/17

آخر تحديث: 07:50 (بيروت)

حكاية تركيا وال"إس-400"

الأحد 2019/03/17
حكاية تركيا وال"إس-400"
Getty ©
increase حجم الخط decrease
بدأت تركيا وروسيا بتسيير دوريات عسكرية مشتركة في إدلب الأسبوع الماضي، لكن هذا لا يتعلق فقط بسوريا. على الأرجح لن تنسحب الولايات المتحدة من سوريا حتى تموز/يوليو، لكن مجدداً هذا لا يتعلق فقط بسوريا.
كل ذلك يتعلق بالقرار التركي بشراء نظام الصواريخ الدفاعية الروسية "إس-400"، وهو قرار أدى إلى تهديد الولايات المتحدة تركيا بعقوبات إذا لم تتخلَّ عن الفكرة.
عمل لا يقلق الولايات المتحدة فحسب بل "الناتو" أيضاً. يبذل كلاهما قصارى جهده لجعل تركيا تتخلى عن شراء المنظومة الروسية. لكن هذا بدأ مع سوريا وستكون القضية واحدة من أهم العوامل المحددة لمستقبل سوريا.
تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو) لكنها اقتربت من روسيا خلال العامين الماضيين لأسباب عديدة، لكن بشكل رئيسي بسبب الوضع في سوريا. ربما لا ترى الحكومة التركية روسيا كحليف، لكنها تعتقد أن حلفاءها في "الناتو"، وخاصة الولايات المتحدة بعيدة عن فهم المخاوف الأمنية لتركيا. عدم الثقة بين أنقرة والولايات المتحدة أمر متبادل.
عندما أدركت تركيا أنها بحاجة بشدة إلى نظام صاروخي للدفاع الجوي بسبب هجمات "داعش" ضدها، كانت أمام خيارين: الأول، نظام "باتريوت" من الولايات المتحدة مقابل 3.5 مليار دولار من دون نقل التكنولوجيا، وكذلك فترة انتظار غير متوقعة لموافقة الكونغرس الذي كان يرسل بالفعل إشارات بأنه غير مستعد لمنحها. الخيار الثاني كان صواريخ "إس-400" الروسية مقابل 2.5 مليار دولار، مع نقل القليل من التكنولوجيا والتسليم في نهاية عام 2019. أخذت تركيا الخيار الروسي ووقعت العقد في 2017.
منذ ذلك الحين تحاول الولايات المتحدة بذل كل ما في وسعها لإحباط تركيا. والرئيس التركي رجب طيب أردوغان يكرر في كل مناسبة أنه لو تصرف حلفاء تركيا بشكل مختلف، فإن تركيا كانت ستتصرف بشكل مغاير أيضاً. ساعد هذا الخطاب تركيا لفترة من الوقت على خلق مساحة مناورة لنفسها بين روسيا والولايات المتحدة، على الأقل كانت قادرة على القيام ببعض العمليات العسكرية الكبيرة في سوريا. ومع ذلك، بدأ الجو يتغير.
منذ بداية آذار/مارس بدأت الحكومة الأميركية في القول إنه إذا اشترت تركيا "إس-400"، فلن تقوم الولايات المتحدة بتسليم الطائرات المقاتلة من طراز "إف-35"، والتي تعد تركيا من بين المنتجين المشاركين فيها.
أول تسليم للطائرات "إف-35" من المفترض أن يتم في تموز/يوليو. وهذا يعني أن أمام تركيا ثلاثة أشهر لإلغاء صفقة "إس-400" مع روسيا. حتى ذلك الوقت، يبدو أن المساومات والتهديدات ستستمر. لن يكون مفاجئاً إذا لم تنسحب الولايات المتحدة من سوريا حتى تموز، ومحاولة استخدام هذا الأمر كورقة مساومة ضد تركيا.
ولكن يبدو أنه كلما زاد تهديد الأميركيين، كلما ازداد التعاون بين روسيا وتركيا. بالطبع، سيكون لهذا النوع من التطورات تداعيات على الأرض في سوريا، مثل الدوريات المشتركة في إدلب أو التدريبات العسكرية في البحر الأسود.
قبل الانتخابات المحلية في 31 آذار، يردد أردوغان الذي شكل تحالفاً وطنياً، مراراً وتكراراً أنه لن يتخلى عن "إس-400"، مهما كانت النتائج، ولكن الاقتصاد لا يسير على ما يرام، والدخول في خلاف جديد مع الولايات المتحدة لن يساعد في ذلك.
لن يكون الأمر مفاجئاً، إذا ألغت تركيا صفقة "إس-400" من أجل جلب الولايات المتحدة إلى الموجة نفسها معها في ما يتعلق بالمنطقة الآمنة المتنازع عليها في الضفة الشرقية لنهر الفرات. تعتقد أنقرة أنه إذا كانت ثمّة منطقة آمنة هناك، فيجب أن تكون السيطرة في يد أنقرة، لكن الولايات المتحدة تفكر في نقل السيطرة على المنطقة إلى مجموعة مختلطة تتألف من عناصر عربية وأوروبية وبعض العناصر الكردية.
في الماضي ، كانت أنقرة قادرة على مقاومة ضغوط الولايات المتحدة وعقوباتها عندما كان الموضوع هو قبرص التي كانت قضية وطنية حقيقية. موضوع هذه المرة هو الأمن القومي لتركيا بسبب التطورات في سوريا. القضية السورية عبء على تركيا. لكن في الوقت نفسه، تحتاج كل من روسيا والولايات المتحدة إلى تركيا بسبب التضارب في سياسات البلدين السورية وهذا ما يجعل سوريا مصدر قوة لتركيا.
ليس من الواضح إلى أي مدى يمكن أن تقف أنقرة دون أن تختار بين الولايات المتحدة التي هي حليف دون ثقة متبادلة، وروسيا الموثوقة في الوقت الراهن ولكنها ليست حليفاً حقيقياً.
ولكن بغض النظر عن اختيارات وإجراءات هذه الدول، فإن ثمن هذه المبيعات المهمة للغاية، والمكلفة، ستدفعه شعوب المنطقة كما كان الأمر في الماضي.
ربما يكون من الأفضل لصانعي القرار قراءة كتب التاريخ مرة أخرى، والتي تقول إن هناك بعض الأسباب التي دفعت الإمبراطورية العثمانية إلى الدخول في الحرب العالمية الأولى ولكن أحدها كان قرار الإمبراطورية البريطانية بعدم تسليم سفينتين حربيتين لحكومة إسطنبول في ذلك الوقت، على الرغم من أنه قد تم بالفعل دفع ثمنهما. فجأة خرجت الأحداث عن نطاق السيطرة والجميع يعرف النتائج المؤلمة لها، وهي النتائج التي ما زلنا نعانيها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها