الأربعاء 2019/02/27

آخر تحديث: 19:46 (بيروت)

مصر: إعدام دولة القانون

الأربعاء 2019/02/27
مصر: إعدام دولة القانون
Getty ©
increase حجم الخط decrease
لو لم أكن قد نظرت إلى موقع "المدن" الخميس الماضي، ولو لم تكن عيناي قد نظرت إلى افتتاحية ساطع نور الدين حول إعدام مصر المخيف لتسعة شبان في 20 شباط/ فبراير، لما كنت عرفت أن الكثيرين من المصريين تم إعدامهم في يوم واحد، أو أن الأدلة المقدمة لتبرير مثل هذه العقوبة القاسية باطلة. لم تتناول أي من الشبكات الإخبارية الأميركية الكبرى هذه القصة، ولم أرَ أي شيء حول عمليات الإعدام على "تويتر" أو "فايسبوك". منذ سبعة أعوام فقط، كانت الأخبار من مصر وحولها منتشرة في جميع المؤسسات الإعلامية في الولايات المتحدة والعالم في أعقاب الاحتجاجات الشعبية في ميدان التحرير التي أدت إلى استقالة حسني مبارك. كيف تضاءل الاهتمام الصحافي بمصر بدرجة كبيرة في أقل من عقد من الزمان؟
لاحقا قمت بالولوج إلى موقع منظمة "هيومن رايتس ووتش" على شبكة الإنترنت، على افتراض أنني سأجد تقريراً وتحليلاً مفصلاً. لكن لا: لا شيء هناك. كيف يمكن لحليف رئيسي للولايات المتحدة أن يعدم تسعة أشخاص ووسائل الإعلام الدولية لا تعرف؟ أو ما هو أسوأ من ذلك: هل علمت وسائل الإعلام بالأمر، لكنها قررت أنها ليست قصة تستحق النشر؟. تخيل لو أن اليابان (وهي دولة ما زالت لديها عقوبة الإعدام) قد أعدمت تسعة أشخاص في يوم واحد، من المؤكد أن الحدث حينها سيصنف من عناوين الأخبار الرئيسية في "نيويورك تايمز" وفي شبكة "بي بي سي" العالمية. الرجال التسعة الذين تم إعدامهم الأسبوع الماضي كان لديهم أسماء ذكرتها الصحافة الإنكليزية - أحمد وهدان، وأبو القاسم يوسف، وأحمد جمال حجازي، ومحمود الأحمدي، وأبو بكر عبد المجيد، وعبد الرحمن سليمان قهوش، وأحمد الدجوي، وأحمد محروس، وإسلام مكاوي. لم يسمح لعائلاتهم بزيارتهم قبل تنفيذ أحكام الإعدام، في انتهاك للقانون المصري.
الجريمة التي اتهم بها الرجال الذين تم إعدامهم كانت خطيرة ومرعبة بالتأكيد: اغتيال المدعي العام المصري هشام بركات في صيف عام 2015. لكن العملية القانونية التي قادت الرجال من الاعتقال إلى الاستجواب إلى الحكم بالإعدام كانت موضع شك. تقارير موثوقة في مصر ودوائر حقوق الإنسان خارج مصر تفيد بأن اعترافاتهم انتزعت من خلال التعذيب. وقد شجبت منظمة العفو الدولية العملية القانونية التي أدت إلى إدانة الرجال. وعلاوة على ذلك، حوكم الشبان أمام محكمة خاصة بالإرهاب، حيث لا يتم دائماً مراعاة موجبات المحاكمة العادلة. يبدو أن الرئيس السيسي عيّن نفسه هيئة محلفين وقضاة وجلاد مصر، وهو الآن أكثر طغياناً واستبداداً من الرئيس السابق حسني مبارك. غالباً ما يرتدي السيسي، الرئيس السابق للمخابرات العسكرية، زيه العسكري في الأماكن العامة، وهو أمر نادراً ما فعله مبارك. ومثل مبارك، يبدو أن السيسي عازم على البقاء في منصب الرئيس المصري مدى الحياة.
عقوبة الإعدام بأي شكل من الأشكال هي ممقتة وانتهاك للقانون الدولي. البشر يلعبون دور الله عندما يعطون لأنفسهم الحق في أن ينهوا حياة الآخرين لأي سبب من الأسباب. لا يزال عدد قليل من الدول يمارس عقوبة الإعدام بشكل منتظم - سواء عن طريق الشنق أو قطع الرأس أو الصعق بالكهرباء أو الحقنة المميتة. وأفاد تقرير للأمين العام للأمم المتحدة لعام 2018 بشأن عقوبة الإعدام أن "حوالي 170 دولة ألغت رسمياً أو فرضت حظراً على عقوبة الإعدام، أو لم تعدم أي شخص لأكثر من 10 سنوات". تضم الأمم المتحدة 193 عضواً، لذا فقد نفذت 23 دولة ما لا يقل عن إعدام واحد خلال العقد الماضي. في الوقت الحاضر، لا تزال 55 دولة تطبق عقوبة الإعدام في كتب القوانين الخاصة بها. اثنان منهم في الغرب: الولايات المتحدة وبيلاروسيا. البلد الذي نفذ أكبر عدد من الإعدام في عام 2017 (العام الأخير الذي تتوفر فيه سجلات كاملة) كان الصين (أكثر من 1000 شخص)، تلتها إيران (507)، السعودية (146)، العراق (125)، باكستان (60)، مصر (35)، الصومال (24)، الولايات المتحدة (23)، الأردن (15) وسنغافورة (8). لذا، في الأسبوع الماضي، بعد 50 يوماً فقط من بداية العام الجديد، كانت مصر قد أعدمت بالفعل ثلث عدد الأشخاص الذين نفذت فيهم أحكام الإعدام في عام 2017. في الواقع، أعدمت مصر 6 أشخاص آخرين قبل 20 شباط، ليصل العدد الإجمالي إلى 15. يجب أن يكون هذا الأمر ذو أهمية كبيرة جدًا.
بعد خمسة أيام من إعدام الشباب التسعة، ما زلنا لا نعثر على أي تقارير أو تحليلات حولهم على موقع "هيومن رايتس ووتش"، قمت بزيارة موقع وزارة الخارجية الأميركية في مصر: لا توجد أخبار هناك، بخلاف المعلومات حول معرض فرص العمل القادم، وتحذير حكومة الولايات المتحدة الخاص بالسفر للمواطنين الأميركيين الذين يزورون مصر أو يسافرون عبرها من أنهم قد يواجهون "حالة من عدم الاستقرار". ويأمل المرء أن يخلق الرد العالمي والشعبي على نظام ديكتاتوري، حالة عدم استقرار للسيسي، لكن وزارة الخارجية الأميركية أكثر قلقاً بشكل واضح من السقوط المحتمل للنظام، وليس من انتهاكاته لحقوق المصريين أو فساده القانوني.
فيلسوفة القرن العشرين العظيمة هانا أرندت قالت في دراستها حول الشمولية، إن "كل ما هو مطلوب لتحقيق الهيمنة الكلية هو قتل الحس القضائي لدى البشرية". صادِر أي أمل في سيادة القانون أو العدالة وسيتم ذلك، وسيكون الناس خائفين للغاية، ميئوساً منهم، ومشلولين عن الدفاع عن حقوقهم أو النضال لإحداث التغييرات اللازمة في الحكم. السيسي في طريقه لتحقيق الهيمنة الكاملة على المجتمع المصري، لكنه لا يعمل في الفراغ. في السنوات الثماني الماضية، احتفل ملايين المصريين - بالإضافة إلى مليارات الناس في جميع أنحاء المنطقة والعالم بسقوط مبارك، وأدى فشل حركات الربيع العربي في ليبيا وسوريا والبحرين واليمن إلى شل المجتمعات العربية المحتاجة للكرامة والديموقراطية. ومنذ انتخاب دونالد ترامب، لا شك في أن الطغاة مثل السيسي يشعرون بالارتياح لرؤية الولايات المتحدة تسير في الاتجاه المعاكس حيث يقتل الصحافيون العرب ويذبحون في مباني القنصليات ويُدمر اليمن بيد جيرانه العرب.
الإفلات من العقاب هو دماء الطغاة، وفي عالم يتعرض فيه القانون الدولي الإنساني أيضاً لهجوم من قبل القوة العظمى في العالم، يستطيع السيسي وغيره من القادة أمثاله أن يطمئنوا الى أنه لن تطالهم أي تداعيات جراء إعدام مواطنيهم، ناهيك عن الحكم بالموت على حكم القانون.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها