الثلاثاء 2019/02/26

آخر تحديث: 21:25 (بيروت)

ايران تستعد لما بعد خامنئي

الثلاثاء 2019/02/26
ايران تستعد لما بعد خامنئي
increase حجم الخط decrease
على الرغم من مسارعة مراكز القرار المعنية الى نفي الاخبار التي تناقلتها وسائل الاعلام الايرانية عن عضو مجلس خبراء القيادة وامام جمعة اصفهان آية الله يوسف طباطبائي نجاد تتحدث عن اوامر صادرة عن مرشد النظام آية الله علي خامنئي يطلب فيها من مجلس خبراء القيادة تشكيل "مجلس قيادة لمدة ثلاث سنوات على ان يقوم بعدها باختيار شخص واحد كمرشد جديد للبلاد" وان مجلس الخبراء وبناء على هذا التوجيه قام باختيار 9 اشخاص ليكونوا اعضاء في مجلس القيادة هذا. على الرغم من التكذيب الا انه لا يلغي اصل المسألة من ان الاوساط المعنية في ايران قد دخلت في مرحلة البحث الجدي عن خليفة للمرشد، خصوصا وانه قبل اشهر وفي احد خطاباته طلب من هذا المجلس ان يبدأ التفكير بالشخصية المؤهلة لتولي مسؤولية القيادة من بعده.

الخبر وان كان "مدخولا" من الناحية الدستورية، اذ ان المواد الخاصة باختيار المرشد في الدستور (107 و109) قد اسقط منها الدعوة الى تشكيل مجلس القيادة في التعديل الذي جرى عليه عام 1989، الا ان النظام الداخلي لعمل مجلس خبراء القيادة نص ومن خلال آليات العمل التي اتبعها منذ تأسيسه على تشكيل "لجنة سرية" تضم ثلاثة من اعضائه مهمتها البحث عن الشخصية المناسبة والافضل بين الموجودين او المرشحين والذين يستوفون الشروط الدستورية لتولي القيادة بعد وفاة او عزل المرشد. الا انه يكشف جهودا حقيقة بدأت تظهر الى العلن وتبذل في هذا الاطار بهدف تأمين انتقال سلس في موقع القيادة في حال حدوث اي طارئ يهدد حياة المرشد الحالي خامنئي مع استبعاد اي احتمال لعزله من هذا الموقع كما جاء في نص الدستور للاسباب الموجبة في اطار البحث عن البديل او الخليفة.

وقد حددت المادة 107 من الدستور مهمة انتخاب المرشد "... إلى الخبراء المنتخبين من الشعب. ويتدارس هؤلاء الخبراء ويتشاورون بشأن كل الفقهاء جامعي الشرائط ... ومتى ما شخصوا فرداً منهم، باعتباره الأعلم بالأحكام والموضوعات الفقهية أو المسائل السياسية والاجتماعية، أو يحظى بشعبية عامة أو بتميز بارز في إحدى الصفات المذكورة في المادة 109 ،ينتخبوه للقيادة. وفي حال عدم وجود هذه الصفات المتفوقة، ينتخبون واحداً منهم ويعلنونه قائداً.ويتمتع القائد المنتخب من مجلس الخبراء بولاية الأمر ويتحمل كل المسؤوليات الناشئة عن ذلك".

اما المادة 109 فقد حددت المؤهلات والشروط اللازم توفرها في القائد وهي:

أ- الكفاءة العلمية اللازمة للإفتاء في مختلف أبواب الفقه

ب - العدالة والتقوى اللازمتان لقيادة الأمة الإسلامية.

ج - الرؤية السياسية الصحيحة والكفاءة الاجتماعية والإدارية والتدبير والشجاعة والقدرة الكافية على القيادة.

عند تعدد من تتوفر فيهم الشروط المذكورة، يفضل الحائز على رؤية فقهية وسياسية أفضل من الآخرين

وقد لحظت المادة 107 صعوبة اختيار شخصية مشابهة لشخصية المؤسس الامام الخميني او خليفة السيد خامنئي، من خلال الفصل بين المؤهلات باستخدام اداة العطف "أو" التي تفيد في اللغة التخيير بين أمرين او الشك او التقسيم او التفصيل في المادة 107 ، اما المادة 109 فكانت اكثر وضوحا عندما حسمت التردد بالتأكيد على اختيار "الافضل" من بين المرشحين. ما يعني ان مجلس الخبراء واللجنة المكلفة البحث عن الخليفة تتمتع بصلاحيات التفضيل وحرية اختيار من تراه يلبي الابعاد السياسية للنظام التي تعتبر الاكثر حضورا في القرار على حساب البعد الفقهي الذي من الممكن تحقيقه في اطار الآليات الخاصة بالمؤسسة الدينية.

والاجراءات التي تشهدها ايران في ما يتعلق بالتعيينات التي تجري في مراكز القرار والسلطات العليا والتي تعتبر من صلاحيات المرشد الحصرية وإن كانت تتزامن مع التوقيتات الدستورية (اقتراب انتهاء الولاية الثانية لرئيس السلطة القضائية)، اي في رئاسة مجمع تشخيص مصلحة النظام وتعيين الشيخ صادق آملي لاريجاني على رأس هذا المجمع، والتوقعات شبه الاكيدة بان يعمد المرشد الى تعيين السيد ابراهيم رئيسي على رأس السلطة القضائية خلفا للاريجاني، تصب – هذه الاجراءات- في اطار ترتيب البيت الداخلي للسلطات قطعا للطريق امام اي خلل في حال حصول فراغ في موقع القيادة. خصوصا وان رئيسي هذين الموقعين هما من اعضاء مجلس خبراء القيادة، وبالتالي يمكن ان يشكلا توازناً في الحظوظ  مع رئيس الجمهورية والعضو في مجلس الخبراء حسن روحاني، والتقليل من امكانية فرضه كخليفة انطلاقا من أنه سيكون عضوا طبيعيا في اللجنة القيادية الانتقالية التي قد تتشكل لادارة البلاد في حال غياب المرشد بانتظار انتخاب المرشد الجديد.

هذه الابعاد السياسية التي ستكون المحدد الابرز في اختيار المرشد المقبل، لن تكون، وبناء على ما تواجهه ايران ونظامها من تحديات، محصورة في خيارات وقرارات وما تتوصل له اللجنة المولجة اختيار المرشد في مجلس خبراء القيادة، بل ستكون الساحة مفتوحة امام مؤسسات اخرى ذات طابع مدني، واخرى ذات طابع عسكري لتشارك في هذا الاختيار وتحديد من سيكون على رأس النظام ومرشده.

ومن خلال رصد الدور المتنامي لقوات حرس الثورة الاسلامية، التي تعتبر وحسب الدستور والبعد المؤسس لها الحامي والمدافع عن قيم الثورة وصيانة النظام ووحدة الارض والدفاع عن المصالح الداخلية والخارجية، وبعد المهام التي تولتها هذه المؤسسة على مدى العقود الاربعة الماضية والتي استطاعت التصدي لكل التحديات التي واجهها النظام واستطاعت ان تضعه على خريطة النفوذ الاقليمي والتصدي لكل التحديات الخارجية التي تتعرض لها وكذلك تحولها الى شريك اساسي للدولة ومؤسساتها في الادارة الاقتصادية والسياسية والامنية لايران واصبحت مؤثرة في تحديد سياسات النظام، فمن المتوقع ان تلعب دورا محوريا في عملية اختيار المرشد المقبل. اي ان عملية الاختيار لن تكون بعيدة عن رأي هذه المؤسسة التي انتقلت من مرحلة عدم التدخل في السياسة في ظل قيادة المؤسس الامام الخميني الى دور الداعم لموقع المرشد بعد تولي السيد خامنئي موقع القيادة وصولا الى الشريك في القرار في ظل التطورات الاقليمية واتساع التأثير والنفوذ الايراني في المنطقة، وصولا الى تنامي هذا الدور خلال ازمة 2009 والدور الذي قامت به في التصدي لما عرف بالحركة الخضراء والتي وضعت النظام امام تحدٍ وجودي وازمة حقيقية. ما يعني انها ستكون شريكة في قرار اختيار وانتخاب المرشد الجديد، وبالتالي التأسيس لدور اكثر اتساعا في مستقبل ايران.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها