الجمعة 2019/02/22

آخر تحديث: 13:07 (بيروت)

تركيا كقوة تعطيل لا تقرير

الجمعة 2019/02/22
تركيا كقوة تعطيل لا تقرير
Getty ©
increase حجم الخط decrease
اجتماعان مهمان عقدا الأسبوع الماضي يهدفان إلى تصميم مستقبل الشرق الأوسط، أحدهما في وارسو والآخر في سوتشي. أثبت الاجتماعان مرةً أخرى أن تركيا دولة ليست قوية بما يكفي لتحقيق كل رغباتها ولكنها قوية بما فيه الكفاية لمنع خطط الآخرين.
يعتقد العديد من المراقبين في الشرق الأوسط أن الوقت بالنسبة لتركيا ينفد. بالنسبة لهم، يتعين على أنقرة أن تتخذ جانباً: إما أن تضع نفسها مع الولايات المتحدة أو يجب عليها أن تتبع خطوات روسيا في المنطقة. بالنسبة لأولئك المراقبين، أظهر اعتراض أنقرة الواضح على اجتماع وارسو بين الولايات المتحدة وإسرائيل لبدء صراع ضد إيران، الاتجاه الذي تسلكه تركيا.
ومع ذلك، من الواضح أيضًا أن أنقرة ليست على الموجة نفسها مع روسيا ولا إيران عندما يتعلق الأمر بسوريا. بالنسبة الى خصوم حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، يتعين على أنقرة، بشكل أو بآخر،  قبول إعادة العلاقات مع نظام دمشق في نهاية المطاف. لكن بالنسبة لمؤيدي أردوغان فإن الرأي هو: إذا لزم الأمر، فإن أنقرة سوف تتصرف من جانب واحد، وعلى الرغم من اعتراضات موسكو وطهران، فإن تركيا ستقوم بعمليات عسكرية في شمال شرق سوريا.
لكن في الواقع، تحاول أنقرة خلق مساحة لنفسها للمناورة وسط النيران الملتهبة في الشرق الأوسط، ويجب قراءة الرسائل القادمة من اجتماع سوتشي الأسبوع الماضي بهذا المنطق.
قبل ساعات قليلة فقط من اجتماع سوتشي، عقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين اجتماعاً ثنائياً، أمام الكاميرات، بخصوص المنطقة الآمنة في الشمال الشرقي من سوريا. قال أردوغان إن تركيا سعيدة برؤية نهج روسيا الإيجابي تجاه هذه القضية. لم ينكر بوتين هذه الكلمات. واُعتبر هذا بمثابة نقطة لصالح مؤيدي أردوغان.
ومع ذلك، اتخذت إيران موقفاً مختلفاً، وفي الاجتماع، أكد الرئيس الإيراني حسن روحاني  مرات عدة أنه يختلف مع تركيا حول المنطقة الآمنة. وذكر حقوق الأكراد السوريين وأشار إلى النظام كشريك في التفاوض. كما أشار بوتين مرة أخرى إلى اتفاق أضنة لعام 1998 الذي يتوخى التعاون الوثيق بين سوريا وتركيا لمكافحة الإرهاب. بالنسبة الى معارضي أردوغان، فإن الإصرار على هذه الاتفاقية يعني إجبار تركيا على إعادة العلاقات مع النظام، وستكون خطوة حتمية بالنسبة لتركيا. تعدّ أنقرة نفسها إلى تحول في سياستها تجاه سوريا. وهذا ليس فقط نتيجة ضغوط طهران وموسكو، بل ما قاله أردوغان في اجتماع سوتشي: "نحن نخطط لمستقبلنا في إطار اتفاق أضنة".
ومع ذلك، على متن رحلة العودة إلى تركيا شدد أردوغان على أن صفقة أضنة هي اتفاق "المطاردة الساخنة" الذي يسمح للجيش التركي بمطاردة الإرهابيين داخل سوريا وليس هناك حدود للمسافة التي يمكنه أن يقطعها. ولهذا السبب، يفترض أردوغان أن مهاجمة الجماعات الإرهابية داخل سوريا أمر قانوني ولا توجد حاجة إلى إجراء مزيد من المفاوضات مع النظام الذي لا يتمتع بأي شرعية على الإطلاق.
كما أن أنقرة لا تزال تأمل في تنسيق انسحاب القوات الأميركية من شرق الفرات وتعاونها مع موسكو وإيران يعطيها النفوذ للتفاوض مع واشنطن للوفاء بكلمتها: قال أردوغان بصراحة شديدة إنه يجب على تركيا السيطرة على المنطقة الآمنة وإنه يجب أن لا تتحول تلك المنطقة إلى ملاذ آمن لجماعات حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية. وقال كلمته هذه في وجه جهود الولايات المتحدة لإيجاد قوى آخرى غير تركيا، للسيطرة على هذه المنطقة.
مسألة أخرى جرى بحثها في سوتشي كانت إدلب. لا تشعر كل من إيران وموسكو بالرضا إزاء القوة المتزايدة لهيئة تحرير الشام هناك، وتتهمان أنقرة بعدم لجمها، كما وعدت في الماضي. وطالب روحاني بأن يتم نقل السيطرة على المنطقة إلى النظام السوري وبوجوب مغادرة جميع القوى الأجنبية. ولكن بالنسبة لإردوغان، فإن وجود تركيا في سوريا يقوم على دعوة من الشعب السوري. 
من الواضح أيضاً أن روسيا تفقد صبرها عندما يتعلق الأمر بإدلب. لكن الإشارة إلى الخطة المستقبلية للدوريات المشتركة للجنود الأتراك والروس في إدلب والتأكيد الروسي على الامتناع عن القيام بعملية عسكرية واسعة النطاق في المحافظة، يثبت أن تركيا تكسب الوقت، على الأقل حتى تمر انتخاباتها المحلية في نهاية آذار/مارس من دون تدفق كبير جديد للاجئين من إدلب إلى تركيا.
قد تكون الرسائل الواردة من اجتماع سوتشي مربكة، لكن بعض الأشياء واضحة للغاية؛ سيتم تشكيل مستقبل المنطقة وفقا لعملية سوتشي، وليس وفقاً لاجتماع وارسو غير الناجح إلى حد كبير، وأحد الأسباب هو عدم وجود الدعم التركي له. ومع ذلك، قد لا يتم تصميم المستقبل وفق تمنيات أنقرة، لأنها ليست قوية كفاية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها