الأربعاء 2019/02/20

آخر تحديث: 10:26 (بيروت)

لو كنت قيادياً كردياً

الأربعاء 2019/02/20
لو كنت قيادياً كردياً
increase حجم الخط decrease

لو كنت قيادياً كردياً، سوري الجنسية، ضمن صفوف حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري، لكنت عملت بكل جهودي، على تصويب اتجاه تحالفاتنا الاستراتيجية، ووقف حالة التخبط التي دخل فيها زملائي، ولكنت استغليت كل الإمكانيات المتاحة للوصول إلى تفاهم مع تركيا والولايات المتحدة الأمريكية ونظرائي المحليين، قبل فوات الأوان.

فكلما اقتربت ساعة الانسحاب الأمريكي المرتقبة، كلما ضاق هامش التحرك، ولا يبدو أن كوادر التنظيمات التابعة للاتحاد الديمقراطي الكردي، سواء في "قوات سوريا الديمقراطية"، أو في "مجلس سوريا الديمقراطية"، تحمل رؤية واضحة لكيفية حل المعضلة المُعقّدة التي قد تُجهز على كل المكتسبات التي حققها هذا التنظيم السياسي، في السنوات الثماني الماضية.

وفي بعض الأحيان، تشعر أن مواقف قيادات "الديمقراطي الكردي"، نابعة فقط من مجرد العِناد، أو العقلية الصفرية، أو الوهم النابع عن أن الحلفاء الغربيين لن يتخلوا عنهم تماماً. إذ كيف يُعقل أن تنظر هذه القيادات إلى سيناريو تفاهم كامل مع النظام بدمشق، بوصفه منجاةً لهم من تبعات الانسحاب الأمريكي والهجمة العسكرية التركية المرتقبة بعده؟!

منذ إعلان قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بالانسحاب من سوريا، في نهاية العام الماضي، تخبط قياديو "الديمقراطي الكردي" في كل الاتجاهات، حتى وصلوا مصر، بحثاً عن دور عسكري في شرق الفرات، يقيهم من الأتراك. ورغم أن حواراً جاداً مع تركيا، طُرح مبكراً، كأحد الخيارات، إلا أنه كان من الواضح، أنه طُرح بوصفه، الخيار الأخير، وذلك رغم أنه، مقارنةً بالخيارات الأخرى، هو الأكثر ديمومة وضماناً لبعض مكتسبات هذا التنظيم السياسي الكردي. وهي خلاصة وصل إليها الأمريكيون، رغم أنهم ليسوا أبناء المنطقة، قبل أن يصل إليها الكُرد في "قوات سوريا الديمقراطية".

دعونا نقرّ، بأن صدمة قرار الانسحاب الأمريكي، كانت قاسية على تنظيمٍ تحوّل في بضع سنوات إلى قوة سياسية – عسكرية، تُحكم قبضتها على الثلث الغني من سوريا. هذا القرار تركهم أمام خيارين قاسيين، إما التفاهم مع "عدوهم التاريخي"، تركيا، أو التفاهم مع النظام السوري بدمشق. إلا أن ملامح الفرق الكبير بين جدوى كلا الخيارين، واضحة للعيان. فالتفاهم مع تركيا، سيُفقد تنظيمات وكوادر "الاتحاد الديمقراطي الكردي" الكثير من مكتسباتهم، لكنه قد يحفظ لهم بعضها، ويتيح لهم هامشاً مقبولاً من العمل، إن قبلوا بـ "سورنة" أجنداتهم، تماماً، وعزل العناصر غير السورية، من أتراك حزب العمال الكردستاني، عن مفاصل القرار الرئيسية. فيما الخيار الآخر، المُتمثّل بالنظام، فهو يعني القضاء نهائياً على أي هامش، ولو محدود، من الاستقلالية لهم، وتحويلهم، في أحسن الأحوال، مجدداً، أدوات مخابراتية، لتهديد أمن تركيا. وسيُعرّضهم ذلك لتبعات لعبة النظام المحببة، وهي خلق صراع محلي بين مكونات المنطقة، لإحكام سيطرته عليها، كما كان يفعل في العقود السابقة، عبر اللعب على إشعال فتيل التوتر، من حين لآخر، بين الكُرد والعشائر، في الجزيرة السورية، واستخدام كل طرف، ضد الآخر.

ولا يبدو العداء التاريخي لكُرد "الاتحاد الديمقراطي الكردي" حيال تركيا، إلا عداءً آيدولوجياً، لا يراعي البعد المصلحي، للكُرد السوريين، داخل التنظيم، ويغلّب أجندات الكُرد الأتراك، في صفوفه. ذلك أن تركيا كانت تاريخياً أكثر مرونة مع إدارة محلية كردية واسعة الصلاحيات، في مناطق الجنوب التركي، مقارنة بنظام الأسد. ورغم أن الحالة الحقوقية للكُرد بتركيا، ليست مثالية، إلا أنها كانت وما تزال، أفضل بمرات، من نظيرتها لدى كُرد سوريا، في عهود حكم الأسد الأب والابن، قبل العام 2011.

ويبدو أن الكُرد محظوظون، ذلك أن عنجهية النظام المعتادة بدمشق، دفعته لأن يميط اللثام تماماً عن وجهه، ويقولها صراحةً، سواء في خطاب بشار الأسد الأخير، أو في تصريحات مستشارته، بثينة شعبان، أن لا بديل لديه عن حكم شمولي، الكلمة الوحيدة فيه للنظام فقط، كما كان عليه الحال قبل 2011. كانت تلك التصريحات كفيلة بكشف أبعد مدى يمكن أن يصله التفاهم مع النظام. فسقف ما قد يمنحه لهم، هو العودة أدوات في أجندات تخدم مصالحه. وهكذا باتت الصورة جليّة أمامهم.

في خيار التفاهم مع تركيا، تبدو شروط التمكين، أفضل بمرات. إذ يمكن إشراك الأمريكيين والأوروبيين، في هذا التفاهم. كما يمكن إشراك نظراء "الاتحاد الديمقراطي الكردي" المحليين، سواء في "المجلس الوطني الكردي" أو في التركيبات والتنظيمات السياسية والاجتماعية الأخرى، التي تُعبّر عن مكونات المنطقة. ويتيح هذا الخيار هامشاً من الاستقلالية، هو دون شك أقل بكثير مما يتمتع به هذا التنظيم الكردي، اليوم، لكنه أفضل بكثير مما قد يحصل عليه، في سيناريو التفاهم مع النظام.

الوقت يضيق، والفرص تقل، والمقارنة بين الخيارات ليست محيّرة كثيراً. فخيارات من قبيل استدعاء قوات أوروبية أو عربية، ليست واقعية، فالأوروبيون يرفضون حتى استقبال مقاتلي "داعش" المُعتقلين ممن يحملون جنسيات بلدانهم، كي لا يتحملوا عبء محاكمتهم في بلدانهم، فهل يظن قياديو "قسد" أنهم قد يتولون حماية شرق الفرات من تركيا ومن النظام وإيران وروسيا، دون دعم أمريكي؟ والمنطق نفسه ينطبق على خيارات استدعاء قوات عربية، رغم أن هذا السيناريو لم يطرح بالأصل أي نقاش جدّي لدى الدول العربية المعنية بذلك.

حان الوقت، لقياديي "الديمقراطي الكردي"، أن يعوا أن تمددهم في السنوات الثماني السابقة، كان نتاج قوة خارجية، وليس نتاج قواهم الذاتية، لذلك فإن هذا التمدد لم يكن مستداماً. والبديل له، هو الحفاظ على أكبر هامش ممكن من الاستقلالية، التي تحفظ للكُرد السوريين بعض المكتسبات التي تحققت لهم، خلال الفترة الماضية، بالشراكة مع نظرائهم من مكونات المنطقة. فخيار النظام، يعني أن يخسر الجميع.

هل ما سبق، دعوة لانفصال "شرق الفرات"؟ ربما الإجابة تتعلق بالبديل، فإن كان البديل هو نظام الحكم بدمشق، يبدو أن أية خيارات أخرى تتيح أفقاً لنظام حكم أفضل للسوريين، تستحق البحث والعمل عليها بجدّية.

لكن، هل يستطيع قياديو "الديمقراطي الكردي" بسوريا، التخلص من البعد "اللاسوري" لديهم؟ هذا السؤال جوابه عندهم هم، ويبدو أنه خيارهم الذي سيحدد مصيرهم، ومصير المنطقة برمتها، إما أن يكون لها أفق مستقبل أفضل، أو أن تعود، في نهاية المطاف، إلى قبضة النظام، في دمشق، بكل صلفه، وكيديته، وشموليته.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها