الإثنين 2019/02/18

آخر تحديث: 14:37 (بيروت)

إحذروا الولاية الثانية لترامب

الإثنين 2019/02/18
إحذروا الولاية الثانية لترامب
increase حجم الخط decrease

ليس هناك في واشنطن ما يقطع الشك باليقين بأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لن يفوز بولاية ثانية. حتى تحقيق روبرت مولر، وهو الأكثر خطورة على مستقبل الرئيس الأميركي، قد لا يحمل أدلة قطعية تُطيح به، وربما يحتمل التأويل. في موازاة ذلك، يتخبط الديموقراطيون بمجموعة أعضاء جدد في الكونغرس تنقصهم الخبرة السياسية ويرتكبون أخطاءً جسيمة سيجد بعضها طريقه بالتأكيد إلى حملة ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية العام المقبل. وحده الاقتصاد، لو تباطأ وفق بعض التوقعات، قد يُهدد حظوظ ترامب. لكن هذا التوقع بعيد المنال، ولا مؤشرات مؤكدة اليه. وهذه المعطيات تجعل التأقلم مع احتمال فوز هذا الرئيس بولاية ثانية، ضرورة في هذه المنطقة.

ينفع في سياق انتظار استحقاق العام المقبل، طرح سؤالين أساسيين: أولاً، ما هي معالم السياسة الخارجية لهذه الإدارة؟ وثانياً، كيف يُمكن أن تختلف السياسة الخارجية للرئيس الأميركي في ولاية ثانية؟

بداية، برزت 3 معالم للسياسة الخارجية الأميركية لترامب. أولاً، على رأس الأولويات تحسين شروط العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والعالم، وتحديداً خفض العجز التجاري لمصلحة الأميركيين. يصنع هذا العجز أو الفائض في التبادل التجاري، مع الرقم الإجمالي له، مزاج الرئيس الأميركي عند مقاربة السياسة الخارجية. لكل دولة رقم مالي.

ثانياً، يُفضل ترامب الصفقات الثنائية على الاتفاقات المتعددة الأطراف. ولا يُقصد بذلك تحديداً قرار إلغاء الاتفاق النووي الإيراني، والذي تدخل فيه حسابات التأثير الإسرائيلي في قرارات ترامب. هذا يشمل اتفاق باريس لمواجهة الاحتباس الحراري، وحلف الناتو والأمم المتحدة وحتى منظمة التجارة العالمية. الصفقات الثنائية تضمن مصالح الولايات المتحدة أكثر من هذه الترتيبات المتعددة الأطراف التي تنطوي عادة على تضحيات لضمان الإجماع ووحدة القرار.

وثالثاً، مخالفة سياسات الرئيس السابق باراك أوباما، نهج مُتبع. وفق هذا المنطق، سياسات الأخير حيال إيران وكوبا ومصر وغيرها، كلها خاطئة، ويجب عكسها. ولا تناسق أو منطق مفهوم هنا غير ذلك الكيدي، سيما أننا أمام إدارة تتمتع، في الوقت ذاته، بليونة كافية لأن تتفاوض مع حركة "طالبان" وكوريا الشمالية، وهما عدوتان لدودتان لواشنطن.

لكن حتى في هذه السياسة، لا يوجد منطق سوي أو مترابط. بيد أن الرئيس ووفقاً لكل ما صدر أو نُشر عن هذه الإدارة، يتأثر سريعاً بمن يلتقي وما يشاهد على شبكة "فوكس نيوز" التلفزيونية الأميركية. أُفُقٌ ضيق جداً في فهم العالم. وبعض البلدان لا يدخل في مجال اهتمامه، مثل سوريا حيث لا يُفاوض ولا يكترث. سبق أن أبلغ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مرتين على الأقل، عامي 2017 و2018، بأن "سوريا لك وسأنسحب منها".

الفريق المحيط بترامب بات أكثر ميلاً للمغامرات العسكرية مما كان عليه قبل سنتين. حينها كان الثلاثي المحيط بالرئيس، مستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر ووزيرا الخارجية ريك تيلرسون والدفاع جيمس ماتس، أكثر تحدياً له. شكلوا سوية مقاومة لأي تبديل جذري في السياسات الاميركية في الشرق الأوسط وسواه، من نقل السفارة الأميركية إلى القدس، إلى اقتراحات أخرى من قبيل فرض حصار بحري على فنزويلا، والانسحاب من سوريا.

اليوم، استُبدل هؤلاء الثلاثة بجون بولتون ومايك بومبيو وباتريك شاناهان (بالوكالة)، وجميعهم من صنف "نعم سيدي" في العلاقة مع الرئيس الأميركي، ربما لأن ترامب رسم بعمليات الطرد السابقة، خطوطاً حمراء للعلاقة معه. ليست تشاورية بقدر الرؤساء السابقين، إذ لمخالفة سياساته ثمن باهظ. كما تنحو طموحات هذا الثلاثي باتجاه التدخل الخارجي، مقارنة بسابقيهم. مع بولتون، على سبيل المثال، ليس هذا التوجه سراً، ذلك أن أغلب كتاباته تدعو إلى توجيه ضربة عسكرية أو فرض عقوبات. بعض المسؤولين السابقين القريبين من دوائر البيت الأبيض يرى أن الآية انعكست وبات ترامب يكبح جماح بولتون. يُهدئ الرئيس الأميركي حالياً من روع المحيطين به، ويلعب دور العاقل، لا المتهور. في المقابل، يُحاول قسم من مسؤولي الصف الثاني في وزارتي الخارجية (ديفيد هايل) والدفاع (جوزف فوتل) مقاومة هذه السياسات، وإضفاء بعض الاستقرار على السياسة الأميركية. لكن الأرجح أن يُواجه هؤلاء موجة جديدة من التطهير.

عملياً، ستكون الإدارة في ولايتها الثانية أقرب إلى التوجه الصدامي، بما يُؤسس مجدداً لعالم أقل استقراراً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها