الخميس 2019/12/05

آخر تحديث: 11:11 (بيروت)

حكومة الظل كمطلب للثورة

الخميس 2019/12/05
حكومة الظل كمطلب للثورة
increase حجم الخط decrease
ليس قاطعو الطرق سوى طليعة ثورية رائدة، خلايا متقدمة تنزل الى الشوارع، لتوجه رسالة جمهور الثورة، وموقفه من الاعداء والخصوم، ومطلبه الراهن الذي لا يحتمل المساومة. وهم في ذلك لا يسلكون مسلكاً غريباً، عن شعوب ثارت أو إنتفضت، فقطعت الطرقات وعطلت المرافق وشلّت وسائل النقل والمؤسسات والمنشآت، بما فيها الاستراتيجية، وحولت عواصم كبرى الى مدن أشباح.

هو سلوك طبيعي جداً، ومعتمد في مختلف أنحاء العالم، كما هو سائد أن يصطدم قاطعو الطرق مع الجيش والامن، ومع بقية أجهزة السلطة، وأن يتصارعوا مع أعداء الثورة وخصومها أو مع المتضررين من حراكها ومن جدول أعمالها الجذري، الذي يهدف الى إحداث إنقلاب او نقلة نوعية في تركيبة السلطة وفي وجهتها، لا أقل ولا أكثر.

ولا غرابة أبداً أن تُنعت تلك الطليعة بأبشع النعوت، مثل أنها مجموعة من شذاذ الافاق او الفوضيين او المشبوهين او حتى الخونة لبلادهم، وأن تستخدم السلطة في مواجهتهم شتى أنواع الاسلحة المتاحة، وأهمها في الحالة اللبنانية، سلاح المال والاقتصاد والمعيشة، الذي يبدو حتى الآن أنه الاشد إيلاماً ، والذي ينذر بقرب حلول "الشتاء الاسود"، الذي لوح به حرفياً أحد أبرز رموز السلطة.

الخطر الاقتصادي شديد، لكنه لن ينهي الثورة التي لا يعرف أحد حتى الآن كيف إنطلقت، وإستمدت هذا الزخم الهائل، وإستقطبت ما يربو على ثلثي اللبنانيين، في أوقات الذروة..ولا يعرف أحد كيف ستتوقف، ومتى، وبأي شكل. الثابت أن ما جرى طوال الايام الخمسين الماضية، هو مجرد إعلان نوايا الغالبية الساحقة من الشعب اللبناني، يحتوي على مطالب مشتركة، عنوانها العدالة الاجتماعية، والاصلاح السياسي المؤدي الى دولة مدنية فعلية، تنبذ المضمون الطائفي بوصفه سبباً لفساد السلطة وتحلل مؤسساتها كافة.

قطع الطرقات الذي يتجدد الآن يعني أن البلد ما زال في الموجة الاولى من الثورة، التي تردد في الايام السابقة أنها إنتهت، ودخل اللبنانيون في مرحلة ترقب لإطلاق الموجة الثانية، طالما أنهم لم يحققوا الكثير من مطالبهم، لكنهم يملكون الكثير من أدوات الضغط، على السلطة التي ما زالت تنكر وجودهم وتأثيرهم، وتتنكر بالتالي لمطالبهم الفورية، بل تتحدى تلك المطالب في سعيها الحالي لتكليف رئيس حكومة تخرّج من منظومة الفساد الرسمية، وتأليف حكومة لا تمت بصلة الى تطلعات الثورة.

والرجاء الوحيد، هو أن يكون قطع الطرقات اليوم بمثابة تطوير وتحديث لأداء الثورة، بحيث يتم توظيف تلك الخطوة في إعادة ملء الساحات والشوارع بالتظاهرات والاعتصامات، التي آن الاوان أن تنتج منصة رئيسية واحدة في كل مدينة وبلدة، يكون خطباؤها طليعة ثانية تجدد المطالب، وتنسق البرامج، وتسفر في نهاية المطاف عن تشكيل "نخبة" سياسية جديدة من شبان وشابات الثورة، إختيرت بالتصويت او حتى الهتاف الشعبي، وكلفت بالتواصل والتفاعل مع بقية المدن والبلدات اللبنانية، للاتفاق على تنسيقية موحدة للثورة، تكون بمثابة حكومة ظل، تراقب وتحاسب وتحاكم وتدين، وتتمرس في عملية الحكم والادارة، وتكون جاهزة للانتقال يوماً ما الى السلطة.

هذا هو الوضع المثالي المأمول، الذي يؤسس للبنان المنسجم مع وعي الثورة وحجمها الاستثنائي، والمعبر عن ثقافة شبانها وشاباتها الذين يكتشفون هذه الايام العمل السياسي بأبهى مظاهره، ويستحقون أن يكونوا هم السلطة وهم قادتها، لا سيما وأنهم يقدمون الآن نموذجاً فريداً عن التكافل والتضامن الاجتماعي الذي لم يسبق ان خرج عن القيود الطائفية، مع الفقراء والمعوزين لأي طائفة إنتموا..ما يشكل قاعدة حقيقية للخطوات التالية من الثورة.

حان الوقت لتحويل حكومة الظل الى مطلب رئيسي، يفرغ السلطة القائمة من شرعيتها، ويحرم الطبقة السياسية من فرصتها لتسوية نزاعاتها الداخلية، ويحمي الثورة من الاختراقات والتلاعبات والخدع التي يمكن ان تنجح في إغراء بعض الثوار (او المدعين)، بالدخول الى الحكومة المقبلة، كممثلين للثورة ، أو الاسوأ من ذلك بوعدهم بإدراج أسمائهم على لوائح السلطة في أي إنتخابات نيابية مقبلة، مبكرة كانت او مؤجلة!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها