الإثنين 2019/12/30

آخر تحديث: 14:13 (بيروت)

العقد العربي الأهم

الإثنين 2019/12/30
العقد العربي الأهم
increase حجم الخط decrease
العقد الماضي كان الأهم عربياً، إذ أسس لحقبات جديدة بعد جمود طويل من الديكتاتوريات العسكرية والوراثية.

في نهاية هذا العقد، وهو الثاني في الألفية الثانية، وقعت الثورات العربية في موجتين (تونس-مصر-سوريا-ليبيا-البحرين، ثم الجزائر-السودان-لبنان) وكان آخرها اللبنانية ضد الطبقة الطائفية الحاكمة. طبعت هذه الثورات العقد بأكمله، وصنعت الاصطفافات الاقليمية فيه، وانعكست في الحراك السكاني والنتاج الثقافي.

كالزلزال، سيترك هذا العقد وثوراته أثراً على العقود التالية، وعلى كل المستويات. هل بإمكاننا توقع مستقبل الحركات الإسلامية من دون العودة الى هذا العقد، وقد رأى تجربة "الإخوان" بفرعيهما المصري والتونسي في الحكم، وارتكابات "الدولة الإسلامية" (داعش) ونكبتها؟ 

وهذه حلقة مفصلية في حكاية الإسلام السياسي منذ تأسيس حركة "الإخوان" عام 1928 وحتى يومنا هذا. ذلك أن 84 عاماً مضت بين لحظة التأسيس الأولى، وبين انتخاب أول رئيس ينتمي الى جماعة "الإخوان"، والخيبات المتلاحقة بعدها حتى انقلاب حزيران (يونيو) عام 2013. تجربة حركة "النهضة" التونسية كانت الأكثر نجاحاً على المستويين السياسي والشعبي، إذ ما زالت تحتفظ بحصتها الثابتة في البرلمان، وتجنبت أفخاخ شبكات (وشلل) "الدولة العميقة" و"الثورة المضادة" بتمويل اقليمي. يُحسب هذا النجاح لـ"النهضة"، وحتى فشل "الإخوان" في مصر يدخل ضمن التجارب الضرورية في عالم السياسة ومراكمة الخبرات الجمعية. ذاك أن المراجعات اللاحقة للتجربتين المصرية والتونسية، أنتجت برامج جديدة لفروع هذه الجماعة، من ضمنها تبني مشروع "الدولة المدنية" الذي كان ضرباً من الهرطقة والكُفر قبل سنوات فحسب. كانت السنوات العشر الماضية أعمق أثراً وأكثر كثافة من تسعة عقود سبقته.

هذا العقد بلور أيضاً تجربة الحكم الأولى للسلفية الجهادية. في مستقبل هذا التيار ومحاولاته اللاحقة للاستقطاب، ستحضر تجربة "داعش" وارتكاباتها وفشلها خلال هذا العقد. أزالت "داعش" حدوداً بين العراق وسورية، على أساس أنها "مصطنعة"، لكن تبين أن عامل الزمن حولها الى واقع من الصعب تجاوزه بغزو جماعة جهادية. واكتشف العالم أيضاً أن حكم السلفية الجهادية يعني إبادة، وستبقى محنة الإيزيديين شاهداً على هذه التجربة، وتحذيراً منها.

الإسلام الشيعي أيضاً سجل صعوداً الى الذروة، تلتها مؤشرات أفول. ذاك أن هذا العقد شهد انتفاضات شعبية ضد الحركات الإسلامية الشيعية العراقية المدعومة من طهران. ليس تفصيلاً أن القوى الشبابية العراقية المنتفضة ضد التيارات الشيعية، كسرت حاجز الخوف، وواصلت الإحتجاج رغم عمليات القتل الواسعة بحق المتظاهرين.

بدأ يظهر شرخ بين المرجعية الشيعية في النجف من جهة، وبين هذه القوى الموالية لإيران، من جهة ثانية. ولهذا الشرخ انعكاسات طويلة الأمد، أولها أنها ستتحدى الهيمنة الإيرانية على العالم الشيعي.

ليس هذا العقد بالهين للبنان أيضاً، إذ سطر نهاية النموذج الاقتصادي اللبناني الذي أرساه رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري ما بعد اتفاق الطائف ونهاية الحرب الأهلية اللبنانية. انتهى النظام القائم على تمويل المغتربين اللبنانيين الخزينة العامة وجشع أباطرة الطوائف، بوساطة المصارف، ومقابل فوائد خيالية (تجاوزت الـ15 بالمئة)، وبمساعدة عربية كلما اقتضت الحاجة. اليوم، انهارت الواجهة الحريرية والمصرفية لمنظومة الفساد، وهي غير قابلة لإعادة الانتاج نظراً لغياب عامل الثقة. سيزرع عام 2020 أسس سياسة مالية واقتصادية جديدة عليها أن تُوفق بين الواقع المأزوم، وبين جشع زعماء الطوائف وعبيدهم.

بالنسبة للعالم العربي، هذا العقد من الزمن تأسيسي، وقد أنتج تجارب في تونس والسودان وربما الجزائر، قابلة لأن تُشكل نموذجاً لتغيير المنطقة ايجاباً، باتجاه التعددية السياسية والانفتاح الثقافي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها