الأحد 2019/12/22

آخر تحديث: 07:39 (بيروت)

طهران والبوابة اليابانية

الأحد 2019/12/22
طهران والبوابة اليابانية
increase حجم الخط decrease

كثيرة هي الرهانات الايرانية على الزيارة التي يقوم بها الرئيس حسن روحاني الى العاصمة اليابانية طوكيو والمباحثات التي عقدها مع رئيس الوزراء شينزو آبي يوم الخميس 19/12/2019، والتي تشكل مؤشرا واضحا وجديا على تغير حقيقي في التوجهات المتعلقة بالموقف من الدور الياباني على خط الوساطة بين واشنطن وطهران والتي سبق ان اختبر "آبي" امكانيتها المعقدة خلال زيارته الى طهران في 12 حزيران يونيو من هذا العام. 

وعلى الرغم من ان الموقف الياباني جاء واضحا ومنسجما مع القناعة المستمرة بضرورة الحفاظ على الاتفاق النووي الذي سبق لايران ان وقعته مع دول مجموعة 5+1 في تموز يوليو 2015، فان الوزير الياباني اكد لضيفه الايراني بان طوكيو ستتعاون مع الترويكا الاوروبي للحفاظ على الاتفاق، في حين ان روحاني اكد في المقابل انه "في اطار المصالح القومية لا نتهرب من اي مفاوضات".

الرئاسة الايرانية حاولت التأكيد ان المباحثات الثنائية لن تتطرق الى موضوع الازمة الايرانية الامريكية عل خلفية قرار واشنطن الانسحاب من الاتفاق النووي والعودة الى فرض عقوبات اقتصادية خانقة، الا ان موقف روحاني الذي اعلنه من طوكيو واستعداده للتفاوض تحت سقف المصالح الوطنية والقومية، صب في سياق توصيف الزيارة بانها ذات طابع "سياسي" طاغٍ، بالاضافة الى موضوع تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين بما فيه النفط الذي يشكل عقدة العقوبات الامريكية وازمة العلاقة بين طهران واصدقائها، ما يعني ان المواقف السياسية قد تم رسم معالمها واهدافها مسبقا في طهران وعلى اعلى مستويات، وهو ما اكده المتحدث باسم الخارجية عباس موسوي الذي قال ان برنامج الزيارة سبق ان تم التفاهم عليه مع الجانب الياباني، وبالتالي يعزز التوجه الايراني ان روحاني لم يتوجه الى اليابان من دون الحصول على صلاحيات استثنائية تضمن له تأسيس نتائج تسمح بنجاح هذه الزيارة على العكس مما حدث في زيارة "آبي" الى طهران، وهذه الصلاحيات الاستثنائية لا يمكن ان تصدر الا عن المرشد الاعلى الذي يمتلك بيده القرار الاستراتيجي والموقف النهائي في موضوع التفاوض مع المجتمع الدولي خصوصا الولايات المتحدة الامريكية وادارة الرئيس دونالد ترامب. وهذه الصلاحيات لم يكن لروحاني الحصول عليها في ظل اوضاع مستقرة في الداخل، ما يعني ان روحاني استطاع الحصول على هذا التفويض مستفيدا من الازمة الداخلية التي حصلت بعد قرار رفع اسعار الوقود "البنزين"، ما يعني ان قيادة النظام باتت تدرك ان الامور وصلت الى مرحلة لم يعد ينفع معها "المكابرة" او الاعراض عما حصل واعتباره كأنه لم يكن، على الرغم مما اظهرته اجهزة النظام في فرض سيطرتها على الاوضاع في مدة قصيرة بغض النظر عن حجم الاثمان والخسائر البشرية والشعبية التي تكلفها. ما يعني ان القيادة الايرانية باتت مدركة لحجم التحديات التي تواجهها داخليا واقليميا في مواجهتها المفتوحة مع واشنطن في هذه الملفات، وبالتالي عليها استثمار الفرصة المتاحة امامها بالتزامن مع حاجة ترمب لتحقيق خرق على مسار الازمة معها في ظل الازمة التي يمر بها مع الديمقراطيين واقتراب دخول السباق الرئاسي في جولاته النهائية. 

واذا ما كان التيار المحافظ ومؤسسة النظام قد حاولت تحميل روحاني وحكومته مسؤولية اعمال الشغب التي شهدتها المدن والمحافظات الايرانية على مدى اسبوع، وغياب الخطط المسبقة لمواجهة الهبة الشعبية ضد قرارات غير شعبية ما ادى الى سقوط اعداد كبيرة من القتلى وخسائر واسعة في المؤسسات المالية والتجارية والاقتصادية، الا ان روحاني ومن خلال سياسة استيعاب الهجوم، استطاع ان يفرض على قيادة النظام ومراكز القرار الاعتراف بصعوبة وتعقيد المرحلة وما يمكن ان تحمله من خسائر استراتيجية لا يمكن تعويضها، خصوصا وان الاشتباك مع واشنطن لم يعد محصورا في الاقليم وملفات النفوذ الايراني فيه، بل ان نار الازمة وصلت الى الداخل، وان الازمة الاقتصادية التي لم يعد اي من الاطراف ينكر تأثيراتها السلبية والمدمرة على الاقتصاد والوضع الداخلي، وبالتالي فان على النظام التفكير "خارج صندوق" المؤامرة والتعامل العنيف والقمعي مع المطالب المعيشية والسياسية للايرانيين، ما يعني ضرورة اللجوء الى سياسات اكثر ليونة في ما يتعلق بالتوصل الى حلول تفتح كوة في جدار الازمة وتخفف من قبضة العقوبات الخانقة، والسماح للجهود والوساطات الدولية بان تصل الى نتائج ايجابية. 

من هنا تأتي اهمية الزيارة روحاني الى اليابان، والتي لا شك انها لا تقوم على رهان خاسر بامكانية الحصول من طوكيو على موقف "مواجهة" مع واشنطن، بل تسعى لان تجعل من الصديق الياباني جسر عبور للعودة الى سياسة التعامل والتعاون مع المجتمع الدولي، من هنا جاء تأكيد روحاني على ضرورة تضافر الجهود الدولية، خصوصا الدول المعنية بالاتفاق النووي، للضغط على واشنطن من اجل دفعها للعودة الى الاتفاق النووي والالتزام بالقرار رقم 2231 الصادر عن مجلس الامن الدولي فيما يتعلق بسياسة العقوبات الاقتصادية. 

وعلى الرغم من التفاؤل المعقود على المباحثات الايرانية اليابانية، والذي تعززه رغبة يابانية في لعب دور في حل الازمة الايرانية، الا ان هذا الطموح الياباني يفترض وجود رغبة وارادة ايرانية في لعب دور اللاعب المستعد للتعامل والتعاون في المجال الدولي. واذا ما كانت الدبلوماسية الايرانية تدرك هذا البعد وهذه الشروط، الا ان على النظام ان يتقن لغة التعامل والدبلوماسية، اي لغة الاخذ والعطاء على المستوى الدولي، ولا يمكن لقيادة النظام البقاء في دائرة تصنيف علاقاتها الدولية بين الابيض والاسود، وان مصالح الدول الاخرى تتعارض بالكامل مع مصالحها، لان شرط المشاركة على الساحة الدولية يتطلب الاعتراف بمصالح الاخرين والبناء على ذلك لقطع الطريق على الخسارة، ولعل ما بحثه روحاني مع "آبي" وبنوع ما طلب مساعدته في اقناع دول المنطقة العربية باهمية ما طرحه من مشروع "امن هرمز" والتعاون الاقليمي في توفير الامن الذاتي يعبر من وجود تحول في تعاطي وتعامل القيادة مع المحيط والعالم لتفادي التداعيات السلبية للتصلب وعدم الاعتراف بمصالح الاخرين، وان مصالح ايران متلازمة مع الاخذ بعين الاعتبار مصالح دول المنطقة ومصالح العالم الحر. يبقى ان نجاح طوكيو في الدور الذي تسعى للعبه وامكانية الوصول الى حلول تحفظ مصالح الجميع وتعزز استقرار الامن الاقليمي والدولي رهن بقدرتها على اقناع واشنطن بجدية الجانب الايراني في الوصول الى نقطة وسط تسمح لها بتقديم تنازلات جدية تؤسس لتعاون اوسع.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها