الأربعاء 2019/12/11

آخر تحديث: 15:55 (بيروت)

روسيا تُطرد من ملاعب العالم

الأربعاء 2019/12/11
روسيا تُطرد من ملاعب العالم
increase حجم الخط decrease
في التاسع من هذا الشهر، وفي اجتماع استثنائي في لوزان ، اتخذت اللجنة التنفيذية للوكالة الدولية لحظر المنشطات "WADA" بالإجماع قراراً بحرمان روسيا لمدة أربعة أعوام من المشاركة في بطولات العالم الرياضية والألعاب الأولمبية . وانفجرت على الفور في الميديا ووسائل التواصل الإجتماعي الروسية موجة عارمة من التعليقات على قرار الوكالة الدولية ، اتسمت غالبيتها بالنقد اللاذع للقرار "الموجه لروسيا ، وليس فقط للرياضة الروسية ، وتوجه بعضها باللوم للهيئة الروسية المعنية بالأمر"RUSADA" . ورأى كبار المسؤولين الروس في القرار تجنياً على روسيا، لأنه يخالف "الميثاق الأولمبي" برأي الرئيس بوتين ، الذي قال بأن الرياضيين الروس يجب أن يشاركوا في المسابقات الدولية تحت العلم الروسي ، وأن على روسيا التقدم باعتراض أمام محكمة التحكيم الرياضية "CAS".  وقال بأنه يجب تحليل هذا القرار من قبل الإختصاصيين والحقوقيين الروس "لكي يتحدثوا إلى شركائنا وهم على بينة من الأمر" . 

أما رئيس الوزراء دمتري ميدفيدف فكان أكثر تشدداً في تعليقه على القرار الدولي ، ووصفه بأنه "شكل مزمن من هستيريا معاداة روسيا" يتكرر مرة جديدة بحق الرياضيين الروس ، الذين تمت معاقبتهم سابقاً.  وقال بأن هذا القرار ينبغي الطعن به ، مع العلم أن "ثمة مشاكل مع المنشطات في الرياضة الروسية"، حسب اعترافه . 

من جهتها نشرت وكالة نوفوستي تعليقاً لأحد كتبتها السياسيين تحت عنوان "أصبح واضحاً ، كيف يمكن لروسيا أن تنتصر على WADA" ، قال فيه بأنه أمام روسيا سنة من الوقت لتعترض على القرار ، لكن حظوظ نجاح الإعتراض معدومة عملياً . وقال بأنه أخذت تتبلور ردات فعل متضاربة في الوسط الرياضي الروسي ، وثمة ما يدعو للإفتراض ، بأن هذا التضارب هو بالذات ما كان يتوخاه  مسؤولو WADA ، "ومن ساعدهم في اتخاذ القرار" . ويمثل هذا الوضع ، برأيه، نموذجاً مثالياً كيف يمكن دفع المصالح الفردية للمواطنين للصدام مع المصالح القومية للدولة. ويرى أن تقبل العقوبات على الرياضة الروسية بأنها انتصار غير مسيس لعدالة غير مسيسة، يحتاج إلى مخزون كبير من السذاجة ليس متوفراً لدى الروس . ويرى أن اتهام الرياضيين الروس في العام 2020 بما ارتكب في مطالع العقد الحالي ، يعني الإقتصاص من جيل آخر كلياً من الرياضيين ، ومن وكالة روسية أخرى تماماً لحظر المنشطات . 

صحيفة الكرملين "vz" نشرت مقالتين متتاليتن حول الموضوع يومي الإثنين والثلاثاء المنصرمين في 9 و10 من الجاري ، وكان لافتاً النقد اللاذع للمسؤولين الرياضيين الروس ، الذي تضمنته المقالتان . فقد نشرت المقالة الأولى بعنوان "روسيا بحاجة "للخطة B" من أجل WADA" ، قالت فيها أن روسيا قامت في الشتاء الماضي ، وبتأخير كبير ، بتسليم المنظمة الدولية قاعدة المعلومات المتعلقة بتحاليل الرياضيين الروس خلال الفترة 2012 ــــــــ 2015 ، وتبين أن المعلومات قد تم تعديلها أكثر من مرة . ولم يجد المسؤولون الرياضيون الروس ما يبررون به هذا التلاعب بقاعدة المعلومات ، سوى بتوجيه الإتهامات للمسؤول السابق عن المختبر الروسي المعني ، الذي كان قد فر إلى الولايات المتحدة قبل ذلك بسنوات . 

وتنقل الصحيفة عن أحد الأبطال الأولمبيين الروس قوله، بأنه كان يمكن التشكيك بقرار اللجنة الدولية لو كانت الآراء متفرقة ، لكن طالما أن القرار قد اتخذ بالإجماع ، فهذا يعني "أن الحجج ضدنا أكثر من مقنعة" ، وليس من مجال للحديث عن أية سياسة في الأمر . ويقول هذا البطل الأولمبي بأن أشد المتضررين من القرار هم الرياضيون والمدربون الروس، ويأسف لمصيرهم، في حين أن رئيس اللجنة الأولمبية الروسية لم يجد ما يأسف له سوى عدم تمكن المسؤولين الرسميين والرياضيين الروس من حضور المباريات الرياضية العالمية الكبرى . 

وتقول الصحيفة أنه ، إذا بقيت السلطات الرياضية الروسية توجه السهام إلى صورة مسؤول المختبر الروسي، الذي فر منذ سنوات إلى الولايات المتحدة ، وبقي السياسيون يردد الواحد منهم تلو الآخر تعويذة المؤامرة المعادية لروسيا ، فلن تحصل الرياضة الروسية على أي شيئ . هذا كله لا يعمل ، وروسيا بحاجة "للخطة B" ، التي يتعين على روسيا بموجبها أن تقدم على بعض التنازلات ، مثل تقديم النسخة الأصلية لقاعدة المعطيات ، كما تلمح ، دون مواربة ، اللجنة الأولمبية الدولية الأكثر ميلاً إلى الحلول الوسط ، حسب الصحيفة . وقد يجد مشاهير رياضيون روس آخرون أنفسهم متهمين وفق النسخة الأصلية هذه ، لكنهم سوف يتمكنون من تجاوز الأمر ، "كما سنتمكن نحن كذلك"، كما تعتقد الصحيفة ، التي ختمت بالقول ، بأن الرياضة كانت تعني دوماً تطوير الإنسان والنضال من أجل مستقبله ، وقد يكون آن الأوان برأيها للأخذ بالإعتبار، بأنه إلى جانب المصالح الجيوسياسية ، ثمة أيضاً مصالح إنسانية . 

موقع "kasparov" المعارض اكتفى بنشر محتوى القرار ، وقام باستعراض آراء عدد من الكتاب السياسيين الروس المعارضين. قال أول المعلقين، بأن الرياضة مهمة لخلق صورة عن البلد وتقديمها ، ويأتي قرار WADA الحالي ملائماً تماماً لصورة روسيا اليوم ، الدولة التي تتكون أساساتها من الكذب والرياء والفساد، الدولة التي لا يود أحد أن يتلامس معها ، لا في الداخل ، ولا في الخارج . والهاوية ، التي بلغتها هذه الدولة ، وتكشفت بمناسبة هذا القرار بإبعاد مدمني المخدرات الروس عن الرياضة ، لم تعد تدهش أحداً ، ولم تعد مستغربة صرخات حشود الروس، التي تدعو إلى احتلال برلين مجدداً ، وإلى قصف مدينة لندن ، حسب الموقع . 

وينقل الموقع عن كاتب سياسي آخر قوله ، بأنه صفق لقرار وكالة WADA ، التي قامت بما كان على المجتمع الدولي القيام به منذ 4 ــــ5 سنوات ، حيث كان يجب نفي روسيا من الحياة الدولية . لكن المصيبة ، برأيه ، هي أن المجتمع الدولي ليس موجوداً كظاهرة ، كعامل في السياسة الدولية ، إذ نجد أن لاعباً أساسياً من هنا ولاعب آخر من هناك ، يخرج من الإصطفاف العام ويبدأ بمغازلة روسيا بوتين .  

إذاعة "الحرة" الناطقة بالروسية تركت صفحات موقعها لناشطي شبكات التواصل الإجتماعي ، وعنونت النص بالقول "المخادع مخادع في كل مكان : شبكات التواصل عن معاقبة الرياضة الروسية" ، وجمعت أكثر من مئة تعليق للناشطين الروس ، ركز معظمها على توجيه اللوم للسلطة القائمة . يقول المعارض المعروف ميخائيل خاداركوفسكي،  بأن المسؤولين سوف يقولون مع ذلك ، بأن سمعة روسيا تشوهها المعارضة ، ويرى بأن إبعاد البلاد عن الألعاب الأولمبية وبطولة كرة القدم ، هو نتيجة عمل فريق الأغبياء الموحد من المسؤولين والمخابراتيين . 

أما صحيفة عتاة القوميين الروس الفاشيين "zavtra" ، فقد عنونت مقالتها بهذه المناسبة "الرياضة كعب أخيل خاصتنا"، وقالت بضرورة الإستقلالية الروسية الرياضية. وأقامت الصحيفة مناحة حقيقة ومجلس عزاء بمناسبة قرار WADA، وتساءلت عما ستفعله روسيا الآن ، التي أركعوها في الرياضة ، على الرغم من كل صواريخها وأنابيب نقل الغاز التي بحوزتها . وطالبت الصحيفة بأن تنفصل روسيا عن الرياضة العالمية ، وتنظم ألعابها الأولمبية ودوراتها الرياضية الخاصة بها ، بالإشتراك مع الدول الصديقة لروسيا البوتينية مثل كوريا الشمالية وإيران و"سوريا الأسد" ، كما يبدو. 

الأمثولة التي تعجز عن استيعابها روسيا بوتين ، والتي أشارت إليها الصحيفة هذه ، هو أن السلاح وحده لا يصنع أمجاد الدول، إذ تستطيع وكالة رياضية إركاع مثل هذه الدول ، على الرغم من كل صواريخها ودباباتها ، تماماً كما حدث لروسيا السوفياتية ، التي كانت مدججة بالسلاح لحظة سقوطها .

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها