الأربعاء 2019/10/09

آخر تحديث: 09:48 (بيروت)

الكرملين ينكر إحتجاجات العراق

الأربعاء 2019/10/09
الكرملين ينكر إحتجاجات العراق
increase حجم الخط decrease
في كلمته أمام المؤتمر السنوي الأخير لمنتدى "فالداي" الدولي للحوار مطلع الشهر الجاري، وصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الشرق الأوسط بأنه "ساحة للتجارب المتهورة" ، التي تمخضت عن "عواقب مأساوية" . وعلى الرغم من مفاخرة القيادة الإيرانية نفسها بدور "تجربتها" منذ العام 1979 في وصول المنطقة إلى هذه "العواقب المأساوية" ، إلا أن لافروف يرى أن إيران هي الضحية ، وأن الولايات المتحدة تعمل بمختلف الوسائل على "شيطنتها وعزلها وإجبارها على الإستسلام " . وبعد أن يشير إلى أن الولايات المتحدة تستفيد من اضطرابات الشرق الأوسط لبيع السلاح وضبط مسارات النفط ، يقول بأن سياستها هذه حيال إيران ، هي سياسة قصيرة النظر ، وأن اتهاماتها لإيران لا تستند إلى أية "وقائع مقنعة" . 

لافروف الذي يرى أن الولايات المتحدة تستغل اضطرابات المنطقة من أجل بيع السلاح ، كان يحزم حقائبه في الأثناء لزيارة بغداد من أجل أن يؤكد على عزم روسيا تنفيذ اتفاقات توريد السلاح إلى العراق ، على ما ذكرت صحيفة الكرملين "vz" في السابع من الشهر الجاري . وتقول الصحيفة أن لافروف قصد العراق في أول زيارة له منذ خمس سنوات ، وحطت طائرته في بغداد ، التي تشهد منذ نهاية لأسبوع الماضي إحتجاجات السكان "بسبب القضايا الإجتماعية" ، واغفلت أي ذكر للعامل الإيراني في هذه الإحتجاجات . 

لم تكن صحيفة الكرملين الموقع الإعلامي الوحيد ، الذي يتجاهل العامل الإيراني في الإحتجاجات العراقية . فالتقرير ، الذي نشرته وكالة نوفوستي الثلاثاء في 8 الشهر الجاري عن الحدث العراقي ، لم يأت على ذكر إيران لا من قريب ولا من بعيد . وينقل التقرير عن أحد الخبراء الروس في الدراسات الإستراتيجية قوله ، بأن السبب الرئيسي للإستياء الجماهيري يكمن في فشل السلطة في تحقيق الآمال ، التي عُقدت عليها بعد انتخابات العام 2018 البرلمانية. ويرى هذا الخبير أنه ليس للإحتجاجات من برنامج أو قائد محدد ، ولذلك لا تحمل أي خطر حقيقي على الأمن والإستقرار الإقليميين حتى الآن ، والأمر الأهم ، برأيه ، هو ألا تنضم  المحافظات السنية إلى الإحتجاجات ، إذ تحصل بغداد في هذه الحالة على تفويض مطلق باللجوء إلى وسائل أكثر تشدداً بحجة محاربة الإرهاب . 

وفي تعليق لها على زيارة لافروف "التاريخية" إلى بغداد وأربيل ، تتجنب صحيفة "الإزفستيا" أيضاً ذكر العامل الإيراني في الإحتجاجات العراقية ، وتشير إلى أسبابها الإجتماعية الإقتصادية فقط . وينقل مراسل الصحيفة في بغداد عن مصادر دبلوماسية قولها ، بأن الإحتجاجات لم تلحق أي ضرر بالشركات الروسية العاملة هناك ، بل تستمر شركات النفط الروسية بالعمل في شمال البلاد منذ العام 2010 ، وليس لديها ما تخشاه ، طالما أن الإحتجاجات تجري في بغداد وعدد من مدن الجنوب ، ولن تؤثر على عملها .

 ليس من المفهوم هذا التجاهل للعامل الإيراني في الإحتجاجات العراقية الحالية ، على الرغم من أن الصوت الرافض لحضوره في العراق كان مرتفعاً للغاية ، ما دفع بالأحزاب العراقية الموالية لإيران لأن تنأى بنفسها عن الحراك الراهن ، ولا تحاول ركوب موجته ، كما درجت عليه في الإحتجاجات السابقة في المناطق الشيعية . كما أن الإيرانيين أنفسهم ، وعلى مختلف المستويات ، لم يخفوا موقفهم المعادي لهذا الحراك ، ومسارعتهم على لسان المرشد الأعلى وائمة صلاة الجمعة إلى اتهام الأعداء بزرع الشقاق بين الشعبين الإيراني والعراقي ، اللذين "يجمعهما الإيمان بالله ومحبة الإمام الحسين " . 

وفي ما يشبه الرد على اتهامات خامنئي "الأعداء" بالوقوف وراء احتجاجات العراق ، يصف "مركز كارنيغي" موسكو القول بأن الولايات المتحدة توجه الإحتجاجات في العراق يبدو قولاً "مألوفاً وخيالياً" للغاية . لكن أنصار مثل هذا التفسير للحدث العراقي مقتنعون ، حسب الموقع ، بأن واشنطن تستغل الوضع لمعاقبة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي على محاولاته إظهار إستقلالية في السياسة الخارجية . ومنذ سقوط نظام صدام حسين تتصارع الولايات المتحدة وإيران على النفوذ في العراق ، بينما تحاول السلطات في بغداد إظهار الإستقلالية وانتهاج سياسة خارجية متعددة الإتجاهات . فعلى الرغم من ضغوط واشنطن ، نشّط العراق التعاون العسكري التقني مع روسيا ، وذلك حين احتاجت بغداد إلى دعم فوري في صراعها مع "الدولة الإسلامية" وتلكأت واشنطن في تقديم مثل هذا الدعم . لكن هذا التعاون لم يقتصر، حسب الموقع ، على الحقل العسكري فقط ، بل يشمل الآن مجال النفط والغاز ، ولم تخسر موسكو مشروعاً واحداً في العراق ، ولا تعرقل تعاونها مع بغداد سوى مسألة المدفوعات ، التي يتم التغلب عليها بشكل أو بآخر.

لم ينسحب تجاهل مواقع إعلام الكرملين الرسمية هذا للعامل الإيراني في الإحتجاجات العراقية ، على المواقع الإعلامية الروسية الأخرى ، حتى تلك التي تدور في فلك الكرملين . فقد كتبت صحيفة "NG" بمناسبة زيارة لافروف تلك تقول بأن "لافروف يتوجه إلى بغداد المتمردة" ، وأن العراقيين يحتجون ضد الفقر والإيرانيين. وتقول الصحيفة ، أن من اللافت أن المشاركين في الإحتجاجات وضعوا نصب أعينهم الإعتراض على علاقة الحكومة المركزية في العراق بالسلطات الإيرانية ، وعبروا عن استيائهم من مستوى تبعية عدد من السياسيين المحليين للنخبة السياسية والعسكرية في إيران . 

وتنقل الصحيفة عن منسق البرامج في المجلس الروسي للعلاقات الخارجية قوله بأن عدم الإستقرار السياسي في العراق سوف يخلق مصاعب للمخططات الإيرانية في المنطقة . لكن هذا لا يعني ، برأيه ، أن إيران سوف تفقد مواقعها في العراق ، وذلك لأنها تتابع منذ زمن بعيد كل ما يجري في العراق وتوطد علاقاتها ، ليس مع النخب السياسية فقط ، بل ومع السكان أيضاً . 

وفي تعليق له على الوضع الراهن في العراق ، تنقل الصحيفة عن زعيم كردستان العراق نيشيرفان بارزاني قوله ، بأنه ليس في مقدور أية حكومة أن تحل جميع هذه المشاكل في فترة قصيرة ، وتحتاج تلبية مطالب الشعب إلى تضافر جميع القوى ووحدتها . 

من جهة أخرى ، وتحت عنوان "ما الذي يجري في العراق"  ، كتب موقع "kasparov" الروسي المعارض في 6 من الشهر الجاري يقول ، بأن العراقيين لا يربطون واقعهم المعيشي المدقع بالسلطات العراقية فقط ، بل يربطونه أيضاً بإيران ، التي تحتل العراق عملياً . ويرى الموقع أن اتهامات العراقيين لإيران مبررة كلياً . فالنظام التوتاليتاري المشرقي ، الذي يسيطر على إيران ، ينتهج سياسة توسعية في المنطقة ككل، ويمتص جميع موارد العراق . ويرى أن سكان البلاد لا يحصلون إلا على مايبقيهم على قيد الحياة لا أكثر ، إذ أن العراق يجري نهبه من اللصوص المحليين الفاسدين ( يحتل العراق المرتبة 12 في العالم بمستوى الفساد) ومن الإيرانيين المحتلين . 

ويرى الموقع أن ما يجري في العراق شبيه تماماً بما يجري في فنزويلا الغنية ، حيث يسحب نظام المخدرات من البلاد كل مواردها ، وشبيه بما يجري في روسيا ، البلد الأغنى بالموارد الطبيعية في العالم ، حيث يعيش شعبها أسوأ مما في إفريقيا في ظل استمرار أوليغارشيي بوتين بجمع الثروات . ويقول بأن جميع الأنطمة التوتاليتارية الإرهابية تبدو متشابهة عملياً ، من حيث احتقارها اللامحدود لشعوبها ، سواء كانوا عراقيين أو إيرانيين أو روس . 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها