الثلاثاء 2019/10/08

آخر تحديث: 10:20 (بيروت)

سد النهضة: طريق مسدود؟

الثلاثاء 2019/10/08
سد النهضة: طريق مسدود؟
الرئيس المصري ورئيس الحكومة الإثيوبية خلال المفاوضات في 2018 (غيتي)
increase حجم الخط decrease
وصلت المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا، حول سد النهضة، إلى طريق مسدود. هذا ما أعلنته وزارة الموارد المائية والري المصرية، يوم السبت الماضي. ومن جانبه، غرد الرئيس السيسي في "تويتر"، مساء اليوم نفسه، مؤكداً أن "الدولة المصرية بكل مؤسساتها ملزمة بحماية الحقوق المصرية المائية في مياه النيل". وكان بيان وزارة الموارد المائية قد دعا لوساطة طرف رابع في المفاوضات، التي تعثرت في الاجتماع الأخير بين وزراء خارجية الدول الثلاث في الخرطوم. وسمّى بيان للرئاسة المصرية في اليوم نفسه، الطرف الرابع، فدعا الولايات المتحدة للاضطلاع بدور فعال في المفاوضات.

من ناحيتها، نفت الحكومة الأثيوبية أن تكون المفاوضات قد وصلت لطريق مسدود، واعتبرت أن دعوة طرف رابع للوساطة، مبكرة، وغير ضرورية. وبلهجة حادة، وصفت السلوك المصري بأنه "مثال آخر على التكتيك التخريبي الذي تعتمده من أجل وقف عملية تقييم التأثير البيئي والاجتماعي للسد"، وأضافت أن "الجانب المصري أصرّ على موقفه المُتمثل في قبول جميع مقترحاته". أما السودان، فتبدو تصريحات مسؤوليه ميالة للموقف الإثيوبي بوجه عام، منذ الإعلان عن المشروع.

يدور الخلاف هذه المرة حول رفض أثيوبيا التفاوض على قواعد تشغيل السد في المستقبل، وعدم موافقتها على الالتزام بحصة بعينها لمصر من النيل الأزرق بشكل سنوي، واقتصار المحادثات على مرحلة ملء خزان السد وقواعد التشغيل أثناء تلك المرحلة. ويأتي الموقف الأثيوبي متفقاً مع موقفها المبدئي من رفض الالتزام، بشكل مباشر أو غير مباشر، بأي اتفاقات سابقة لم تكن طرفاً فيها، ما يعني ضمناً عدم الاعتراف بحصة مائية بعينها لمصر من ماء النيل. وهو موقف يبدو تفاوضياً، أكثر منه عملياً. وبالإضافة إلى ذلك، اعتبر وزير الخارجية الأثيوبي بأنه لا يستقيم من ناحية فنية أن يُطلب من بلاده ضمان مرور 40 مليار متر مكعب سنويًا، بعد مرحلة ملء السد، وهو ما طلبه الجانب المصري، بينما يكون الإنتاج السنوي على النيل الأزرق أقل من هذه الكمية، في حالات الجفاف على سبيل المثال.

ولا تبدو الخلافات الأخيرة متعلقة بسد النهضة تحديداً، بل بخشية الجانب المصري من أن يكون المشروع، سابقة، فإن مرّ من دون اتفاق بالشروط التي تضمن حصته التاريخية، فإن بقية دول الحوض وأثيوبيا نفسها قد تشرع في مشاريع مشابهة من دون الرجوع إلى دولة المصب. والأهم هو إصرار الجانب الأثيوبي على عدم الالتزام بأي اتفاقية سابقة بخصوص توزيع الحصص المائية. وبذلك، فإن أطراف الأزمة الثلاثة يتعاملون مع مشروع السد والاتفاق بشأنه، بوصفه نقطة تفاوض مفصلية، إما ترسخ الوضع القائم، أو تضع قواعد جديدة للمستقبل.

وفي ذلك السياق، فإن المواقف الحادة، واللغة الهجومية من جميع الأطراف، تبدو جزءاً من تكتيكات الشد والجذب في عملية التفاوض، التي ربما لها أن تطول، أو تظل معلقة وبلا حسم، حتى بعد الانتهاء من المشروع وتشغيل السد. ويجد الطرف المصري نفسه في الجانب الأضعف من الخلاف. فغير أن مصر هي دولة المصب، والتي تعتمد 90% من مواردها المائية على النيل، فإن موقفي دولتي المنبع أكتر تقارباً من بعضهما البعض. وكذلك، لا يبدو التعويل على الولايات المتحدة خياراً فعالاً في الوقت الحالي، في ضوء انسحاب إدارة ترامب بشكل واسع وعشوائي، وصعب توقعه، من الأزمات الإقليمية البعيدة من حدودها. وفي المدى المتوسط، وحتى مع ضمان الحصة الحالية لمصر، فإن الزيادة السكانية المضطردة ستعني مواجهة أزمات تتعلق بالاحتياجات المائية، بالأخذ في الاعتبار أن عدد السكان الحالي للدول الثلاث يصل إلى ربع مليار نسمة.

وبالنظر إلى مسارات المفاوضات الحالية، وكذا توازن القوى بين أطرافها، فلا يبدو أن هناك حسماً في المدى القريب أو حتى المتوسط، وربما سيعزز ذلك الوضع من استخدام النظام في مصر للقضية كورقة تخويف، إلى جانب خطر الإرهاب والفوضى، لحشد الرأي العام الداخلي وراءه، وهو ما يقوم به النظام الأثيوبي في الحقيقة أيضاً، متبنيا خطاباً شعبوياً في الإعلام المحلي. ولا يختلف الأمر كثيراً في السودان. في المدى البعيد، لا يبدو أن هناك خيارات كثيرة، سوى تعاون دول الحوض لتنفيذ عدد من المشروعات القديمة المؤجلة لتوفير الهدر من ماء النيل، والذي يقدر بعشرات المليارات من الأمتار المكعبة سنوياً، ومشاريع لترشيد استهلاك الموارد المائية عموماً في دوله بما فيها مياه الأمطار، وسيحتاج هذا كله موارد مالية واستثمارات ضخمة في البنية التحتية، لا تبدو متاحة في الوقت الحالي. وسيتطلب توفيرها إعادة النظر في الأولويات الاستراتيجية والاقتصادية لدول الحوض، وخصوصاً في مصر، الطرف الأكثر حاجة لتلك المشاريع في المستقبل.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها