كوكب زُحل البرتقالي

قبل أيام قليلة، صرح وزير الطاقة سيزار أبي خليل من بعبدا بأن "إنجازات كثيرة تحققت ونعاهدكم البقاء على النهج نفسه حتى انجاز كل المشاريع". الوزير افترض بأن هناك خشية وسط اللبنانيين من توقف العهد عن الإنجاز، لذا شعر بأن هناك ضرورة لطمأنة الناس إلى الإستمرارية في مستوى الإنتاج الحالي.

من أبرز سمات العهد أن سياسييه وإعلامييه يرون كمّاً من الإنجازات، رغم أنها غير مرئية للمواطنين "غير البرتقاليين"، إن صح التعبير. ذاك أن البشر يكتسبون هذه القدرات إما من نوافذ محدودة يفتحها لنا عالم الماورائيات، أو عبر صُدف غربية، كما في لسعة العنكبوت التي أعطت الفتى بيتر باركر (Spiderman) قدرات خارقة، إذ بات يسمع ويرى جزئيات لا يلتقطها سائر البشر.

ولذلك آثار جانبية لا تقتصر على عجزنا عن رؤية الإنجازات أو الشعور بها، بل تشمل أيضاً صدمة تُصيب وزراء ونواب التيار الوطني الحر كلما رصدوا استياء حيال واقع الحال. وهذه فجوة تتسع بين الطرفين، وتُنتج رد فعل عنيفاً عند التيار الوطني الحر كلما صدرت شكوى عن الأوضاع العامة، ولسان حال مسؤوليه "كيف لا ترون هذه الانجازات؟" أو "كيف تجرؤون؟".

عندما غنى الفنان راغب علامة "طار البلد" الشهر الماضي، ليشكو تدهور الوضع الاقتصادي والمالي والسياسي،  شعر النائب العوني حكمت ديب بصدمة شديدة، قال بعدها إن رأس النجم اللبناني الشهير "يجب أن يطير". لكن ينفع أن نتعلم عن هذه الإنجازات، كما يراها أقطاب التيار وإعلامه.

أولاً، "من إنجازات العهد"، كما جاء في تقرير لتلفزيون الـ"أو تي في"، وضع "لبنان القوي على الخريطة العالمية". بكلام آخر، لبنان صار أحد اللاعبين الكبار على الساحة الدولية، ولا يُمكن تجاوزه على الإطلاق. هناك الولايات المتحدة والصين وروسيا ولبنان، وليس بالضرورة وفق هذا الترتيب.

ثانياً، على الصعيد الداخلي، هناك ورقة لتكتل الإصلاح والتغيير العام الماضي عن انجازاتها، وفيها ما يعجز هذا المقال عن تعدادها، لكن من أبرزها "إطلاق مشروع توليد الكهرباء من مزارع الطاقة الشمسية". في هذا الشأن، تتحدث الورقة عن "مشروع سخان شمسي لكل منزل لتشجيع المواطنين على شراء سخان شمسي عبر توفير قروض مدعومة والقيام بتوزيع عدد من السخانات الشمسية مجاناً". وهنا قد يعترض بعض المواطنين من عامة الناس، بحجة أنهم لم يحصلوا على سخان شمسي، أو أنهم ما زالوا يدفعون فاتورتي كهرباء للدولة ولأصحاب المولدات. لكن هذه حجج غير منطقية، وتعكس عجزاً عن رؤية السخان، دون توفير دليل على عدم وجوده.

على المستوى السياسي، أبرز انجازات العهد هو مشاركة السلطة. أهم مَن شرح تفاصيل هذا الانجاز هو النائب سليم عون. "النجاح الّذي نسعى إليه هو للبلد بأكمله وليس لحزبنا فقط. نضالنا كان نضال مقاومة وكنّا نتعرّض للظلم خلال مواجهتنا للسلطة ولوصاية دوليّة، وكنا نشتكي للدول الغربية؛ أمّا اليوم فالظروف تغيّرت". "أيّ مقاومة في العالم عندما تصل إلى السلطة تتآلف مع مَن كانوا ضمن الوصاية والاحتلال؟". في هذه المشاركة، يُقدم التيار تضحية جسيمة، وهي غير مرئية لعموم الناس.

وهذه الانجازات الداخلية والخارجية ترقى لأن تُحوّل البلد إلى مدرسة بإمكان العالم، حتى الشطر المتقدم منه، أن يستقي الدروس منها. هكذا شرح وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، رئيس "التيار الوطني الحر"، الواقع لشبكة "سي أن أن" الإخبارية: "بإمكان واشنطن ولندن أن تتعلما منّا كيف نحكم بلداً بلا موازنة".

كل الأمل أن لا تعجز واشنطن عن رؤية الانجازات، وتقع مثل راغب علامة في الفخ عينه.