الإثنين 2019/01/14

آخر تحديث: 14:44 (بيروت)

رأس الحرب يطل مجددا

الإثنين 2019/01/14
رأس الحرب يطل مجددا
increase حجم الخط decrease

3 مؤشرات تُثير القلق وتفتح قمقم الهواجس حيال مستقبل لبنان. أولاً، كشف رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال غادي ايزنكوت في خطاب الوداع، رؤية بلاده للاستراتيجية الإيرانية في المشرق. وفقاً لأيزنكوت، أحبطت اسرائيل خطة إيران لبناء وجود دائم لها على الأراضي السورية، وتهديد الدولة العبرية منها. الآن عرفنا بأن الضربات الاسرائيلية شملت أيضاً عمليات "خاصة"، إلى جانب مئات الغارات الجوية.

الشق الثاني من كلام ايزنكوت اكتسى خطورة أكبر. بحسب الخطاب، إيران بدلت استراتيجيتها في المشرق، من التركيز على بناء وجود لها في سوريا، إلى تزويد حلفائها بتقنية الصواريخ الدقيقة. في صُلب هذا الاعتقاد الإسرائيلي، تهديد للبنان وإعلان أن الخطر انتقل اليه من سوريا. ذلك أن مواجهة التهديدات الإيرانية، بحسب الإستراتيجية الإسرائيلية، يقتضي عدم رفع الإصبع الاسرائيلي عن الزناد، أي مواصلة الضربات حيثما انتقل "الخطر". وهذا الكلام ورد بعبارات أخرى في خطاب وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في القاهرة الأسبوع الماضي. بكل وضوح، أمر اليوم كان أن واشنطن ستواجه النفوذ الإيراني في لبنان.

إذن، لبنان عاد ساحةً. وهذا يقودنا إلى المؤشر الثاني، وهو التحول في الحرب السورية، باتجاه تصفيتها كساحة لمصلحة الوصاية الروسية عليها. بيد أن التطبيع العربي مع النظام السوري، ومن ضمنها عودته المرتقبة إلى الجامعة العربية، يأتي في سياق الاعتراف بالنتيجة فيها، والتعاطي مع سوريا كدولة، وليس على القطعة كما لبنان. فهل يُعقل مثلاً أن سوريا تشهد انفراجاً في علاقاتها العربية، فيما لا يزال لبنان في دائرة التصعيد وحظر السفر؟ أليس غريباً أن يُرحب "حزب الله" بعودة العلاقات العربية لدمشق، فيما يُعرقلها في بيروت؟

بكلام آخر، الحديث عن عودة سوريا إلى العالم العربي، يترافق مع إستعادة وظيفة لبنان كساحة تصفية حسابات بين إيران والعالم. ذاك أن المدخل التاريخي لهذا النظام إلى العلاقات الدولية، كان نفوذه في لبنان حيث الأوراق والمواجهات والملفات المفتوحة دائماً. لهذا، أعطتنا الحرب السورية، عند اشتداد وطأتها، قسطاً من الراحة والإستقرار الأمني بعد سنوات الاغتيالات منذ التفجير الذي أطاح بالوزير السابق محمد شطح في 27 كانون الأول (ديسمبر) عام 2013. نصف عقد من الاستقرار مضى بين "غياب" سوريا و"عودتها".

وهذا يقودنا إلى المؤشر الثالث للقلق، وهو سياسة الشغب في الداخل اللبناني. ذلك أن الساسة اللبنانيين، وفي ظل هذه العودة للنظام السوري، ينتهجون سلوك الأولاد المشاغبين، وكأنهم يتوسلون تدخل الأهل. ومثل هذا السلوك الطائش، من عناد وزير الخارجية جبران باسيل و"اللقاء التشاوري" المفتعل إلى همروجة دعوة ممثل دولة مفككة ومنقسمة على نفسها إلى قمة تقنية، لا يتوافق مع حجم الأزمة المالية والإقتصادية في لبنان، والتحديات السياسية والأمنية المتراكمة أمامه. هناك انغماس رهيب في عدم الجدية والفاعلية وغياب النضج. إنها مدرسة مشاغبين خالية من الفكاهة، ممثلوها منغمسون في تفاهاتهم وجمهورها بائس وقلق، تستجدي بكليتها تدخلاً خارجياً لتتوقف المهزلة.

لكن هذه الفوضى العارمة وهذا التخبط حيال كل مسألة، من الخفة في معالجة الوضع الإقتصادي والمالي، إلى العجز عن استضافة قمة اقتصادية، سياسة بحد ذاتها. والهدف الوحيد البارز من هذه السياسة هو فتح بوابة جديدة لعودة حقيقية للنظام السوري. يتعافى نظام الأسد، فنستحيل جميعنا أوراقاً.

إنها طبقة سياسية لا قعر لنذالتها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها