السبت 2018/09/08

آخر تحديث: 22:28 (بيروت)

ورد إدلب وشوكها

السبت 2018/09/08
ورد إدلب وشوكها
increase حجم الخط decrease

كنا نخاف أن يتحول منفى الثورة السورية، إلى سوريا "الضارة"، ما دامت سوريا الأسد هي المفيدة، ونخشى أن تتحول إلى قبر لها، ونحذّر أن تلقى مصير أخواتها من قلاع الثورة، والتي ما كانت قلاعاً بالمعنى العمراني، فليس لها من صفة القلاع البنيانية، إلا جأش أهلها وبأسهم، وصبرهم، ودمائهم، ولكننا كنا نتجمل بكذبة الأمل، وكنا وما زلنا ننتظر، ونعدّ الساعات خوفاً من سقوط إدلب، واضعين أقدامنا في مياه مغلية، ورابطين على صدورنا الحجارة. خصومنا، وهم القوى العالمية الخمس العظمى، ومعهم قوى إقليمية صاعدة، سيستعملون الأسد، إلى أن تنتهي صلاحيته، أما موالوه، فيأملون أن يُتوّج إسكندر أعظم من الإسكندر الأكبر، الذي قهر نصف العالم، وسُميت باسمه 46 مدينة، لقد فتح إسكندر سوريا بلاده “دار دار، زنقة زنقة"، وحارب "الإرهاب" بلا رحمة، بكل الأسلحة. أمريكا نفسها عجزت، كما تزعم في القضاء على "الإرهاب"، لكن الأسد انتصر، أو يكاد، بمساعدتهم ورعايتهم وحنانهم.

كنا نعلم أو نتجمّل بالأمل، الذي قال المسرحيّ السوريّ سعد الله ونوس فيه قولاً، فذاع كما لم يذع قول من قبل ومن بعد: "نحن محكومون بالأمل"، وكأنه أول بني آدم يتحدث عن الأمل، كأنه لم يتحدث عن الأمل شاعر أو حكيم قط. ولكنه صدق، فنحن محكومون بالأمل، وهو لقب بشار الأسد.

كنا نعلم، ولكن نتجمّل بالأمل، ولن تجدي صيحة بابا الفاتيكان، الذي حذّر من كارثة إنسانية، وطالب المجتمع الدولي باللجوء إلى الأساليب الدبلوماسية، ودي مستورا قلق على حياة ملايين المدنيين في إدلب، ولكنه لا يشكك في الحق في محاربة الإرهابيين كالنصرة والقاعدة، ولا في حق سوريا في استعادة وحدتها، ويدعو إلى ممرات إنسانية، وماكرون قلق على الوضع الإنساني الدقيق في إدلب، بعد أن وضع بشار الأسد نصب عينيه السيطرة عليها. وتركيا تناضل في الدفاع عن حدودها المهددة، وإن كانت تصريحات قادتها، قد صارت أشبه بصلوات الفاتيكان، يائسة حزينة، فقد شبعت من اللاجئين، واقتصادها يتألم، وخاصرتها جريحة، والعالم الحر لن يرضى بسلطان سادس، غير السلاطين الخمسة الكبار في مجلس الأمن، فتركيا أحد الأهداف الكبرى، بل لعل الهدف الأول من عرس إدلب، هو نزع العمامة عن رأس السلطان.

نكتب عادة متجمّلين بمراهم العبارات السياسية فنقول: آخر قلاع الثورة، لقد تجمّع في إدلب صقور الإسلام السنّي، الذين رفضوا المصالحات والركوع، وصبروا على الجوع. هناك قلعة أخرى صامدة منذ دزينة كاملة من السنوات، لم تستسلم، ولم تُقهر، هي غزّة، لكن إدلب ليست غزّة، وإن كان حال غزّة أسوأ، لكنها أقرب إلى المسجد الأقصى، وأكثر خبرة، وكلاهما بتعابير كرة القدم، يلعبان لعباً دفاعياً، وفي الدفاع لا يطمح اللاعب إلى الفوز، أقصى طموحه هو كسب نقطة التعادل، وقد كسبتها غزّة بطائرات ورقية، وصواريخ كرتونية، وعجلات محترقة، لأن عدوها ضعيف وهشّ، وجبان، وبلا عقيدة، ولا يؤمن باليوم الآخر، أما عدوّ غزّة سوريا، فعقائديون ويؤمنون بالجنة، بل إنهم سرقوا شعارات الثورة التي كانت تهتف: "ع الجنة رايحين.. شهداء بالملايين".

لم تكن خسارة الجنود تعني شيئاً للنظام السوري، فهم بلا قيمة، ديّة الواحد منهم علبة متّة، أو ساعة جدارية، أو عنزة في أفضل الأحوال، وقد أعلن النظام هذه المرة أنه سيقاتل بجنود المصالحات الوطنية، الرقم الذي أعلنه وهو خمسون ألفاً، كبير، وهو يكذب في العدد، وربما انتابه حرص متأخر على جنوده العلويين، لكنه على الأغلب سيضرب الفخّار بالفخّار، السنّة بالسنّة، أغلب التحليلات تظهر أنه سيكسب المعركة، فلم يدلَّل نظام في العالم بعد إسرائيل، كما دُلّل نظام الأسد.

العرس كبير، والناس تنتظر الليلة الكبيرة، في التاسع من هذا الشهر، والعالم "الحر" الذي يحب الآخرين عبيداً، أو مستهلكين، يحتفل بالعرس، فقد خفّت نبرته. الرئيس الأمريكي الأكثر تهوراً، يطالب الأسد بعدم ضرب إدلب بتهوّر، في هذه المطالبة تطبيع مضمر مع النظام. الرئيس الفرنسي قال: إنه لن يسكت عن استخدام السلاح الكيماوي، والذي تقول الإحصاءات، بأن الإسكندر الأعظم، الأكبر من المقدوني استخدمها مائتي مرة ومرة. الرئيس الروسي يشيع بأن المجموعات المسلحة الإرهابية تحضّر لضربة كيماوية، يبدو أنه يعرف المثل القائل: "ضربني وبكى، سبقني واشتكى". ألمانيا ستتبرع للاجئين، كما صرح الرئيس الألماني. لقد حشرت المعارضة نفسها في خانة "اليك"، وهم بلا خبرة سياسية، ولا يجيدون خدع الحروب، ورمي حجر نرد السياسة، وتركيا ستتجنب ما استطاعت دخول الحرب التي تجرّ إليها، وهي تحاول إيجاد حلول للعثور على إدلب أخرى. الأسد نفسه محشور في خانة اليك، ولعله ينفذ أوامر روسيا، في أفضل الأحوال هو في وضع "تبييت"، كما في لعبة الشطرنج.

لم تبلغ معارضات الثورة السورية  حركة طالبان نضجا وإخلاصا، والتي سبقتها بعقد من السنين، والتي تفاوضها أمريكا وتساومها، وترسل لها العروض المغرية، فقد تعلمت طالبان المرتبطة بالقاعدة بعض علوم السياسة، إلى جانب القتال، أما المعارضة السورية، فلا تزال تجهل علم السياسة وفن الحرب الذي تجيده مع أخوة السلاح.

يقول المثل: "من أجل الورد، حتى الشوك نسقيه"، أو "ينسقى" العليق، أما معركة إدلب ستكون لقتل ما بقي من الورد السوري، وزرع العليق والشوك في كل المنطقة. وهو إن كان شوكا فهو من زرع الهالوك السوري  المتحصن في القصر الجمهوري.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب