الثلاثاء 2018/09/04

آخر تحديث: 23:44 (بيروت)

رسالة من أميركا:وحشية كوشنر

الثلاثاء 2018/09/04
رسالة من أميركا:وحشية كوشنر
كوشنر لا يحقق مصالح الولايات المتحدة بل يخدم اليمين الإسرائيلي (Getty)
increase حجم الخط decrease
بعد مشاهدة السلوك العجيب لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمدة 20 شهراً، من الأسلم أن نقول إن موضع الوحشية بلا منازع في البيت الأبيض هو مكتب المستشار الخاص للرئيس. تحت إدارة ترامب، يأوي هذا المكتب مستشارين اثنين: ستيفن ميلر وجاريد كوشنر. مستشارا ترامب الكبيران غير مؤهلين بشكل لافت للنظر بالنسبة لمواقعهم الحساسة، نظراً لشبابهم وقلة خبرتهم (كلاهما في منتصف الثلاثينات فقط).

على عكس كبار المستشارين في الإدارات السابقة، فهم ليسوا مقتنعين بأن يخدموا بتواضع كمستشارين "خلف الكواليس". بدلاً من ذلك، يسعى كلاهما للظهور كلاعبين سياسيين رئيسيين في واشنطن وخارجها، وكلاهما استخدم بشكل صارخ مواقفه ليس لتقديم المشورة للرئيس (الذي لا يبدو مهتماً بالحصول على المشورة من أي شخص في إدارته، على أي حال) ، ولكن بدلاً من ذلك لمتابعة السياسات التي يمكن وصفها بصيغة معقولة بأنها شريرة.

في مقالي السابق، ناقشت نجاح تجربة ستيفن ميلر "الميكيافيللي" في تسليح سياسات وإجراءات وزارة الخارجية الأميركية لمنع دخول المهاجرين غير البيض من أميركا الوسطى والجنوبية والبلدان ذات الأغلبية المسلمة إلى الولايات المتحدة. كان ميلر، الذي لديه خبرة سياسية في العاصمة واشنطن أكبر من خبرة كوشنر، العقل المدبر للعرض الرهيب هذا الصيف الذي شمل العائلات بقوة عند الحدود الأميركية ونقل أطفالهم إلى ملاجئ ذات ظروف مروعة. حظي ميلر بقسط من الاهتمام الإعلامي أكبر مما كان يساوم عليه أثناء أدائه لدوره في نصرة التفوق الأبيض: عمه صاغ مقالاً صحافياً سرعان ما انتشر بشكل كبير، ما جعل العالم يعرف أن آراء ميلر كانت لعنة لا يمكن تفسيرها، على عائلته التي تضم شريحة واسعة من المهنيين التقدميين الناجحين للغاية، والذين دعموا الحزب الديموقراطي لفترة طويلة.

جاريد كوشنر يأتي أيضاً من عائلة من ممولي الأحزاب الديموقراطية. لكن على عكس ميلر، لا يمكن وصف عائلة كوشنر بأنها مميزة. قضى والده، المطور العقاري تشارلز كوشنر، حكماً بالسجن لمدة عامين في السجن الفيدرالي بسبب مساهماته غير القانونية في الحملات، والتهرب من الضرائب، والتلاعب بالشهود. على الرغم من أن كوشنير الأب والإبن لديهما شهادات في القانون، إلا أنه يبدو أنهما ينظران إلى نفسيهما على أنهما فوق القانون.

كذب جاريد كوشنر عند تقديم أوراقه من أجل الحصول على تصريح أمني وتجنب حقيقة لقاءاته مع المسؤولين الروس خلال الفترة الانتقالية بين إدارة أوباما و ترامب. في الآونة الأخيرة، تم تغريم الشركات العقارية العائلية بربع مليون دولار أميركي بسبب تقديمهم مستندات إلى مدينة نيويورك تزعم زوراً أن أياً من المستأجرين في عقاراتهم لم يحصل على مزايا تنظيم الإيجار. بالإضافة إلى ذلك ، قامت دائرة المباني في المدينة بتغريم جاريد كوشنر لقيامه بتقديم عشرات الطلبات الكاذبة لأعمال البناء في السنوات التي سبقت تحوله إلى مسؤول في إدارة ترامب.

يتمتع كوشنر بالنسبة لكونه صهر دونالد ترامب، بدرجة من القوة لا تتناسب مع مهاراته وخبراته المحدودة. وبالإضافة إلى حقيبة السلام في الشرق الأوسط، فهو مسؤول أيضاً عن إدارة أزمة إدمان المواد الأفيونية في البلاد، وتطوير الابتكارات التكنولوجية، والإشراف على إصلاح العدالة الجنائية، والعمل كجهة اتصال رسمية لإدارة ترامب مع الصين والمكسيك، بالإضافة إلى الاتصال بالمجتمع الأميركي المسلم. هذه قائمة طموحة وشاقة للغاية بالنسبة إلى رجل دخل "هارفارد" فقط لأن والده قدم تبرعاً كبيراً للجامعة. لا يملك كوشنر المعرفة أو النضج أو المهارات أو التدريب للقيام بأي من هذه المهمات، لكن هذا لا يقلقه. في عام 2006، دخل في مجال الإعلام عن طريق شراء صحيفة "نيويورك أوبزرفر"، وهي صحيفة أسبوعية في نيويورك، مقابل 10 ملايين دولار. ولأنه لم يكن لديه خلفية في الصحافة على الإطلاق، فقد كان من المحتم أن تؤدي أفكار كوشنر إلى إثارة غضب رئيس تحرير الصحيفة لفترة طويلة بيتر دبليو. كابلان، الذي أشار بإيجاز إلى أن "كوشنر لا يعرف حتى ما لا يعرفه".

في حين أن معظم حقائب كوشنر يمكن تصنيفها بأنها "أعمال دعائية" فإن مهمة السلام في الشرق الأوسط هي مسألة بالغة الخطورة. تمنح كوشنر السلطة على حياة أو موت ملايين اللاجئين الفلسطينيين الذين لا تعني حياتهم أو مخاوفهم أي شيء على الإطلاق بالنسبة له أو لدونالد ترامب. وبصفته الشخص المسؤول عن إدارة السلام في الشرق الأوسط ، فإن كوشنر يشرف على القسوة وراء حدود أميركا. ومع ذلك، فإن الغضب من سياسات كوشنر الشريرة لن يكون صريحاً في الولايات المتحدة لأنه لن يجذب ذلك النوع من الاهتمام الإعلامي الذي ساد طوال الصيف حول ضغينة ميلر تجاه عائلات أميركا الوسطى المهاجرة.

الغالبية العظمى من الأميركيين لديهم فهم ضئيل للحقائق التاريخية والسياسية والقانونية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وذلك بفضل إضفاء الطابع المؤسساتي على التقارير الإخبارية المتحيزة، والعقاب المضمون لأي صحافي أو محرر أو سياسي أو صانع سياسة أو متخصص يسعى إلى إطلاع الأميركيين بشكل كامل على خلفية وسياقات وآثار سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط على مدى السنوات السبعين الماضية. حتى الأميركيين المثقفين لا يمكن أن يتوقعوا أن يعرفوا، أنه من ضمن العديد من أزمات اللجوء في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، يمتلك الفلسطينيون وضعاً استثنائياً في وجود قرارات ووكالات خاصة تابعة للأمم المتحدة تم إنشاؤها لهم فقط. إن إنشاء وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين "الأونروا" عام 1949 هو مثال على ذلك. لقد وضعت "الأونروا" الفلسطينيين فعلياً خارج التصنيفات القانونية للأزمات الإنسانية، وطرق التجاوب معها، مما أدى إلى عمليات نزوح جماعي. ومن ثم، فإن محاولات إدارة ترامب لتشويه صورة "الأونروا" باعتبارها غير فعالة، فاسدة، عفا عليها الزمن وخطيرة سياسياً، لن تلقى استجوابًا نقدياً ومطلعاً أو احتجاجات فعالة.

الخطوة التي دفع باتجاهها كوشنر بإزالة كل التمويل الأميركي لـ"الأونروا" ستحرم الملايين من اللاجئين الفلسطينيين من الرعاية الصحية والبنية التحتية والتعليم والغذاء. إنه عمل خبيث سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية الرهيبة في غزة وسوريا، على وجه الخصوص، بينما يضع حتماً ضغوطاً جديدة ومضطربة على الحكومات المضيفة للاجئين في الأردن ولبنان. 

السعي لوقف تمويل "الأونروا" وتفكيكها لا يعود بأي فوائد على المصالح الوطنية للولايات المتحدة. حتى الطفل يجب أن يكون قادراً على فهم هذا، لكن معظم الأميركيين لا يستطيعون ذلك. كوشنر لا ينفذ سياسة الولايات المتحدة في مهاجمة "الأونروا"، وهو بدلاً من ذلك، يساعد اليمين المتطرف الإسرائيلي ومؤيديه الأميركيين لتحقيق هدف طويل الأمد: جعل اللاجئين الفلسطينيين يختفون، بطريقة أو بأخرى. هذه ليست سياسة خارجية عقلانية. إنها إبادة جماعية ضمن خطة على مدىً طويل.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها