الإثنين 2018/09/03

آخر تحديث: 09:08 (بيروت)

روسيا ولبنان: العلاقة الإشكالية

الإثنين 2018/09/03
روسيا ولبنان: العلاقة الإشكالية
increase حجم الخط decrease

يكاد لا يمر يوم إلا ويُدلي السفير الروسي في لبنان ألكسندر زاسبكين بتصريح أو حديث اعلامي، حتى بات يُصنّف بين "زبائن" التلفزيونات والإذاعات اللبنانية، من المحللين المحسوبين على طرف أو آخر.

ليس زاسبيكن وظهوره الإعلامي ولقاءاته المتكررة، الوجه الوحيد للنفوذ الروسي المتصاعد في لبنان، بل تُضاف اليه الزيارات المرتفعة الوتيرة للمسؤولين اللبنانيين إلى موسكو، وأيضاً اتساع دائرة الوجود الدبلوماسي والثقافي الروسي في لبنان. وهذه علاقة جديدة وتتطور، ومن الضروري تسليط الضوء على بعض ملامحها المستجدة.

بداية مع زاسبيكن وتصريحاته، وهي متنوعة، وتشمل الداخل اللبناني وايضاً العلاقة مع الجوار السوري. ذاك أن السفير الروسي هو أيضاً سفير سوريا، يُدير العلاقات معها، إن كان لجهة معالجة ملف اللاجئين السوريين ذي الأهمية القصوى داخلياً، او إدارة المشاركة اللبنانية في عملية اعادة إعمار سوريا.

في ما يخص الداخل اللبناني، ثلاث ملاحظات أساسية:

أولاً، لزاسبيكن، بصفته عرّاباً للعلاقة اللبنانية بتشعباتها مع سوريا، رأي في عملية تشكيل الحكومة، لا يتفق بالضرورة مع فريق الممانعة. في خصوص التشكيلة الحكومية، تشعّب كلام للسفير الروسي نُشر أمس باتجاه ثلاثة اتجاهات: ضرورة الإسراع رغم الضغوط الإقليمية، وعدم انتظار تغيرات خارجية، ووقوف موسكو على مسافة واحدة مِن كل الأطراف. وبالإمكان أيضاً ربط الموقف الأخير، وهو احدى علامات التفوق الروسي، بما ورد في مقابلة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري مع قناة "يورو نيوز" الإخبارية الأوروبية. عند سؤاله عن ضرورة العلاقة مع سوريا بعد وصول الحرب لنهايتها، اختار الحريري القناة الروسية بديلاً لذلك. روسيا تُسيطر على سوريا، قال الحريري، ولذا يُفضل التعاطي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

من يريد التعاطي مباشرة مع النظام السوري بإمكانه ذلك، ومن يعاديه، يلجأ للقناة الروسية. إنها القوة بتوفير خيارات لا يملكها الآخرون.

وقوة هذا الدور والنفوذ الروسي، باتت ظاهرة في أن رجالات موسكو وعرّابيها مثل النائب السابق أمل حكمت أبو زيد، لا يحتاج الى منصب رسمي لتُنشر تصريحاته وليكون حاضراً. ليس وزيراً او نائباً، لكنه في صلب أي لقاء، ويُذكّر موقعه الثابت برجالات النظام السوري إبان الوصاية. هم عابرون للمناصب والمواقع.

ثانياً، الاستثمار الثقافي الروسي بات تحت مجهر وسائل الإعلام الغربية. بيد أن المراكز الثقافية نمت كالفطر مِن واحد في فردان قبل سنوات الى اكثر من دزينة تُغطي عواصم المحافظات وبلداتها الكبرى. ترافق هذا التوسع الثقافي مع رفع عدد المنح الجامعية الروسية للبنانيين الى 60 سنوياً.

ثالثاً، يطل جانب عسكري في العلاقة، برأسه، مثيراً قلقاً أوروبياً وفي بعض الأوساط الأميركية. المساعدات العسكرية الروسية تزداد، وكذلك الحضور المترافق مع ضغوط لتعزيز حجم العلاقة، على حساب تلك القائمة مع الولايات المتحدة. المؤشرات هنا تتجاوز الاتفاق المؤجل بين البلدين (نتيجة الضغوط الأميركية، إذ يشمل الاتفاق بنداً عن الاستخدام الموقت للقواعد العسكرية اللبنانية). بين الاقتراحات المتداولة لتأمين عودة اللاجئين خلال اجتماع هلسنكي، أن يدخل الجيش الروسي كيلومترات داخل الأراضي اللبنانية. طبعاً رفض الجانب الأميركي، لكن الاقتراح نفسه يُفصح عن طبيعة التفكير الروسي حيال لبنان. البلد امتداد لسوريا، وان يدخل اليه الجيش الروسي أمر طبيعي، تماماً كحلب أو الغوطة.

واللافت أن ضابطاً روسياً حضر الاجتماع بين السفير زاسبيكن والمدير العام للأمن العام عباس ابراهيم بحضور النائب السابق امل حكمت ابو زيد (وهو يحمل الان منصب مستشار وزير الخارجية جبران باسيل للشؤون الروسية بعد السقوط في الانتخابات النيابية).

في النهاية، من المطلوب أيضاً الالتفات الى الوجود المزدوج لنفوذين غير متصالحين على الاراضي اللبنانية. ذاك أن للولايات المتحدة وجوداً عسكرياً وشراكة استراتيجية مع الجيش اللبناني. وهذه الشراكة "المجانية" أضحت مشروطة بعدم الحصول على أسلحة روسية وعدم التوقيع على اتفاق التعاون العسكري بين بيروت وموسكو.

وفيما تتطور العلاقة مع موسكو، وهذا حتمي نتيجة الموقع الروسي المتقدم في سوريا، على المسؤولين اللبنانيين طرح السؤال الآتي: هل يحتمل لبنان أن يتحوّل الى ملعب جديد لصراع دولي يتنامى؟

من الضروري الدوس على المكابح في هذه العلاقة، إذ أن أوكرانيا الحرب الأهلية والصراعات السياسية اللامتناهية، مثال حي أمامنا.




increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها