الأربعاء 2018/09/26

آخر تحديث: 20:29 (بيروت)

روسيا تربح في حادثة الطائرة

الأربعاء 2018/09/26
روسيا تربح في حادثة الطائرة
increase حجم الخط decrease

أحسنت روسيا استثمار حادثة الطائرة (إيل 20)، لتكون الرابح الرئيس جراءها، فيما يبدو أن كلاً من إسرائيل، ونظام الأسد، سيسجلان نقاط خسارة. أما إيران، فسيتحول انكشافها في سوريا، لصالح الروس، بدلاً من الإسرائيليين.


وبخلاف رد الفعل الأولي، للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والذي أوحى برغبته في احتواء الأزمة مع إسرائيل، لتكون في أضيق الحدود، كانت وزارة الدفاع الروسية، تعمل على استثمار الحادثة لتحقيق هدف، اتضح أنه قديم، بالنسبة لها، وهو تغيير الضوابط التي تحكم اتفاق منع الحوادث بين إسرائيل وروسيا عام 2015. وإذا راجعنا البيان الكامل والمفصل للمتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، يتضح لنا، أن الروس كانوا في حالة استياء متفاقم، خلال السنوات الثلاث السابقة، جراء الثقة العالية بالنفس للطيران الإسرائيلي، وتجاهله الانضباط الصارم بقواعد منع الاحتكاك مع الروس، في سوريا. وأشار البيان إلى أن أداء الطيران الإسرائيلي يختلف تماماً عن نظيره الأمريكي، الذي يُظهر التزاماً صارماً بقواعد منع الاحتكاك مع الروس.


ببساطة، اختصر وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، علّة حادثة الطائرة الروسية، بوصفها نتاج "رؤوس حامية" في إشارة إلى "الصلف" الإسرائيلي، واللامبالاة، حيال سلامة الروس، في أكثر من حادثة سابقة.


بيان وزارة الدفاع الروسية، استخدم تعبيراً ملفتاً، حيث وصف حادثة الطائرة الروسية، بأنها "رد جاحد" من إسرائيل على كل ما قامت به روسيا من أجل الدولة الإسرائيلية. في لهجة أقرب إلى "العتاب" بين الأصدقاء.


لكن، يبدو أن لهجة "الضحية" التي تبنتها وزارة الدفاع الروسية، كانت تستهدف تبرير إجراء معدّ سابقاً، كان ينتظر فقط، الحادثة المناسبة، لتنفيذه.


فتسليم صواريخ اس 300 للنظام السوري، والذي تأخر خمس سنوات، بناء على الطلب الإسرائيلي، كان إجراءً معدّاً للتنفيذ، من جانب وزارة الدفاع الروسية. إذ أقرّ وزير الدفاع الروسي، في تصريحه حول حادثة الطائرة، أنه جرى تدريب خبراء سوريين، إستعداداً لهذه اللحظة. أي أن روسيا، لم تلغِ قرار تسليم صواريخ اس 300، للنظام السوري، قبل خمس سنوات، بل أجلته فقط، استجابةً للإسرائيليين، وبانتظار اللحظة المناسبة، التي جاءت حادثة الطائرة الروسية، لتوفرها.


وهكذا حقق الروس أهدافاً سابقة لهم، وهي تغيير قواعد منح الاحتكاك مع الإسرائيليين في سوريا، عبر فرض قيود جديدة عليهم، لضبط اندفاعهم نحو استهداف المنشآت والأهداف العسكرية في سوريا، والذي يبدو جلياً أنه سبّب صُداعاً، بل وتهديداً، للروس، أكثر من مرة. ويأتي تسليم صواريخ اس 300، كاستكمال لهذا الهدف، في تهديد غير مباشر للإسرائيليين، بإسقاط طائراتهم، إن تعاملوا، مجدداً، باستخفاف، مع القواعد المحددة لمنع الاحتكاك.


بطبيعة الحال، فإن حجة بنيامين نتنياهو بأن تسليم اس 300 لنظام الأسد، يشكل تهديداً للأمن، بوصفه، أي الأسد، "طرفاً غير مسؤول"، حسب وصف نتنياهو، هي ذريعة أجهضها الروس مسبقاً، حينما أشاروا إلى أن خبراءهم العسكريون سيتولون بشكل مباشر، الإشراف على الدفاعات الجوية التي ستُسلم لنظام الأسد. وهذا هو المحتوى الرئيس للمكالمة الأخيرة بين بوتين والأسد. فقد أبلغ الرئيس الروسي نظيره السوري، بأن قطاعاً جديداً، داخل مؤسسته العسكرية، سيُنتزع من سيطرته، لصالح الروس. وهو المكسب الثاني للروس، ومكمن الخسارة لـ بشار الأسد، الذي يشاهد، المزيد من التغلغل الروسي داخل مفاصل مؤسسته العسكرية، من دون أن يستطيع القيام بأي إجراء للحد منه.


راهن نظام الأسد، بجدية، على صدام روسي – إسرائيلي، في الساعات الأولى بعيد الحادثة. وكان ذلك جلياً في تصريحات إعلامييه ومنظريه، التي كانت أقرب إلى الهياج، وكأن المنطقة قاب قوسين أو أدنى من حرب كبرى. رهان نظام الأسد على مواجهة تتيح له هامشاً أكبر من المناورة، ذهب أدراج الرياح. فحادثة إسقاط الطائرة الروسية، جاءت بتداعيات سلبية، على جانبٍ آخر من نفوذه داخل المؤسسة العسكرية السورية، التي أصبحت مخترقة بنسبة كبيرة من الروس والإيرانيين.


المكسب الثالث للروس، كان حيال إيران، ونفوذها العسكري داخل سوريا. فبعد أن كانت إسرائيل تتمتع بضوء أخضر مفتوح لاستهداف إيران، أينما وجدت في الأراضي السورية، سيتفاوض الروس، في الأيام القادمة، على قواعد منح احتكاك جديدة مع الإسرائيليين، تشكل ضبطاً أكبر لهم. بحيث سيصبح الروس متحكمين أكثر، بجغرافيا وتوقيت الضربات الإسرائيلية للإيرانيين. بمعنى آخر، فإن روسيا قد تصبح قادرة، وقت ما تشاء، على إتاحة الفرصة لضرب إيران، وتقييد ذلك، في وقتٍ آخر، حسبما ترى المصلحة الروسية. وبذلك، يتحول الانكشاف الإيراني في سوريا، إلى مكسب للروس بدلاً من الإسرائيليين. الأمر الذي سيمثل نقطة قوة لصالح الروس على صعيد صراعهم البارد مع الإيرانيين على النفوذ والتمدد داخل مؤسسات الدولة السورية.


ويبقى الفيصل في كل ما سبق، هو كيف ستتعامل إسرائيل مع هذا التطور؟ قد تخوض إسرائيل مساراً تفاوضياً معقداً مع الروس حول القواعد الجديدة لمنع الاحتكاك. لكنها، لا تستطيع استخدام سبل أخرى، غير سبل الدبلوماسية والقوة الناعمة، وربما، شيئاً من الضغوط الأمريكية الداعمة لها. إذ يبدو جلياً، أن إسرائيل مضطرة لتقديم تنازلات للشريك الروسي، على الساحة السورية، بعد سنوات من الضوء الأخضر المفتوح.



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها