الأربعاء 2018/10/03

آخر تحديث: 09:06 (بيروت)

ترامب وخراب العالم

الأربعاء 2018/10/03
ترامب وخراب العالم
ترامب يتخيل نفسه رجل أعمال ناجح وفعال (Getty)
increase حجم الخط decrease
ثمة قول مأثور مفاده: "إذا عطست الولايات المتحدة، فإن بقية العالم تصاب بالتهاب رئوي". لذا، ماذا يحدث لبقية العالم عندما تسير العجلات تماماً بعكس الولايات المتحدة الأميركية؟. يود الناس في جميع أنحاء العالم معرفة ذلك.
في الولايات المتحدة، نتساءل عن عدد الأزمات والكشف عن عمليات الفساد والقسوة التي يمكن أن تتعرض لها البلاد قبل انهيار النظام بالكامل. في أقل من عامين، جلبت لنا رئاسة ترامب فضائح وإساءات يومية. لدينا وكالة لحماية البيئة يديرها ملوثون، وإدارة لحماية الحياة البرية يشرف عليها صيادو التذكارات، ووزارة الخارجية يعمل بها هواة، وكونغرس تشتريه مصالح خاصة ثرية، ووكالة لمراقبة الهجرة تشارك في خطف الأطفال وإساءة معاملتهم، ومحكمة عليا يمكن أن تحتوي قريباً اثنين من المنحرفين جنسياً وليس واحداً. لقد جعلت التخفيضات الضريبية لترامب الأغنياء أكثر ثراءً، وسياساته الجمركية تجاه الصين على وشك إفلاس المزارعين الأميركيين والعمال ذوي الياقات الزرق. ودعونا لا نذكر حتى الدَين القومي الهائل، وجميع المخاطر التي يخلقها وتهدد بإنهيار مالي هائل آخر. وهذه مجرد وجهة نظر من جبهة السياسة الداخلية.
لكن في عالم رأس المال المعولم والمعلومات، أصبح الخط الفاصل بين السياسة المحلية والخارجية غير واضح. وهذا يظهر بشكل أكثر وضوحاً في سياسات الهجرة في إدارة ترامب وحظر سفر المسلميين، حيث تؤثر المشاعر الوطنية العنصرية في البلد على العلاقات الأميركية مع الدول الأخرى. قد تؤدي نظرة خاطفة إلى السياسة الخارجية للإدارة الحالية إلى الاعتقاد بأن لا شيء جديداً تحت الشمس. في الشرق الأوسط على وجه الخصوص، يبدو أن السياسة الخارجية الأميركية هي مجرد تكرار لرؤى المحافظين الجدد خلال سنوات بوش-تشيني: فإيران هي العقدة مرة أخرى، ويمكن لإسرائيل أن تفعل ما تشاء من خلال الإفلات من العقاب أكثر من أي وقت مضى.
لكن هنا تنتهي أوجه الشبه. دونالد ترامب يتخيل نفسه رجل أعمال ناجح وفعال. إن سيرته الذاتية "فن الصفقة" (التي لم يكتبها) تحتفي بقدرته على دفع صفقة صعبة وصياغة صفقات مالية مذهلة. إن أي شخص يحقق في النتائج الفعلية لفطنة شركة ترامب سيستخلص استنتاجات مختلفة تماماً. فشلت أعماله، وأفلست، وخدع الناس بملايين الدولارات. وبالنظر إلى طبيعته المتمركزة على الذات والنرجسية، فإن ترامب لا ينظر إلى السياسة الخارجية على أنها تبادلات بين الأمم، بل كترتيبات بينه وبين أفراد آخرين.
ليس من المدهش أنه ركّز بشكل مكثف على كوريا الشمالية، وأن التغطية الإخبارية للمفاوضات الثنائية ركزت على العلاقة الشخصية بين ترامب وكيم. لا يهتم ترامب بالفوائد والآثار الطويلة الأمد للصفقة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية أكثر من اهتمامه بصفته صانع الصفقة الأكبر وقدرته على صعق الساحة العالمية بصفقة دراماتيكية. غروره هش بقدر ما هو هائل، وهذا ما يوجه السياسات الخارجية الأميركية الآن. إن محاولات فهم السلوك الدبلوماسي الأميركي من وجهات النظر السياسية الدولية التقليدية غير مجدية. سوف يفعل ترامب ما يريد ترامب أن يفعله، أما بقية الأمة - والعالم - فمصيرهم الازدراء.
على مدى الأعوام الثمانية الماضية، أدت السياسة الخارجية للولايات المتحدة التي تركز على الشرق الأوسط إلى إيجاد صناعة كاملة من مراكز الفكر والرأي والنظريات السياسية والبرامج الأكاديمية. لقد كان النفط وإسرائيل يشكلان المخاوف الرئيسية، وعلى السطح، لم يتغير ذلك. ولكن انظروا قليلاً، واذهبوا أعمق قليلاً، حينها يصبح من الواضح أن تصرفات إدارة ترامب غير متناسقة داخلياً. لقد تلاشى تماما أي تركيز على حقوق الإنسان أو الاهتمام بها (باستثناء ما يتعلق بإيران). لقد شجعت شخصية ترامب صفقات التعاطف وحب السلطة، ورفعت بعض أسوأ الميول السياسية في المنطقة، وهو ما يتجلى في الدكتاتور السيسي في مصر والدكتاتور السعودي محمد بن سلمان (MbS، كما هو معروف هنا).
لقد استفاد بن سلمان، على وجه الخصوص، من المحسوبية المذهلة لإدارة ترامب، التي أوكلت القضايا الأكثر أهمية والأكثر خطورة التي تواجه الشرق الأوسط إلى جاريد كوشنير، صهر الرئيس. في العاصمة واشنطن، يصف بعض النقاد بسخرية كوشنر وبن سلمان بـ"أفضل الأصدقاء إلى الأبد"، مشيرين إلى أهمية العلاقات بين الأشخاص، وليس العلاقات بين الحكومات في إدارة ترامب. يغطي بن سلمان اليمن بجرائم حرب، ويهدد إيران، ويمد يده إلى إسرائيل، حتى عندما تنقل الولايات المتحدة سفارتها من تل أبيب إلى القدس، بينما تسحب التمويل الأساسي من اللاجئين الفلسطينيين وتغض الطرف عن بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة وكذلك سلوكها القاتل المستمر في غزة. كيف يُفسر هذا؟ كنتيجة للكراهية السعودية لإيران؟ أم نتيجة لصفقات مالية بين كوشنر وبن سلمان؟.
على الرغم من أن شعار ترامب المفضل هو "أميركا أولا"، فعندما يتعلق الأمر بالوجود الأميركي والنفوذ في الشرق الأوسط، يبدو الرئيس سعيداً بتسليم النفوذ العسكري والدبلوماسي إلى روسيا في سوريا. ورغم بعض حملات القصف الخفيفة ضد نظام بشار الأسد، إلا أن ترامب لا يريد أن يفعل أي شيء مع الكارثة السورية، أو الكارثة في العراق، التي تسبب يها سلفه الجمهوري جورج دبليو بوش. لإراحة العديد منا في الحركة المناهضة للحرب في الولايات المتحدة، لا يريد ترامب إرسال قوات أميركية إلى سوريا أو العراق. لكنه يبدو حريصاً على الحرب مع إيران، خصوصاً منذ أن انضم جون بولتون إلى إدارته.
بالنسبة للأميركيين الذين يعارضون ترامب وسياساته المحلية (ونحن أغلبية، حوالي 70 في المئة من السكان)، فإن السؤال الرئيسي هو: "كيف سنصلح كل هذه الفوضى بعد رحيل ترامب؟". الإصلاح سوف يستغرق سنوات. قد يكون الضرر كبيراً جداً حتى لمنع إزاحة ترامب بالإقصاء أو بالانتخابات في عام 2020.
بالنسبة لأي شخص يعيش خارج الولايات المتحدة في أميركا اللاتينية أو الاتحاد الأوروبي أو الشرق الأوسط، فإن السؤال نفسه يطرح على قدم المساواة وهو يتعلق بكيفية إصلاح فوضى ترامب. لطالما أراد ترامب أن يكون شخصاً استثنائياً وفريداً. لقد حقق ذلك بالتأكيد من خلال كونه مسؤولاً بشكل فريد عن تدمير حياة الناس في الداخل والخارج، الآن وفي المستقبل المنظور. عندما تتعطل العجلات في الولايات المتحدة، ينزلق العالم بأكمله عن الطريق.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها