الثلاثاء 2018/09/25

آخر تحديث: 12:12 (بيروت)

الطفل وليد: فانتازيا البلاهة

الثلاثاء 2018/09/25
الطفل وليد: فانتازيا البلاهة
"البروفيسور الصغير"
increase حجم الخط decrease
في آب/أغسطس2015، نقلت الصحف المصرية خبراً عن استقبال محافظ البحيرة، الدكتور محمد سلطان، للطفل وليد محمد العبادي، معلناً الإعداد لـ"احتفالية كبرى" لتكريم الطالب ذي الـ13 عاماً على إنجازاته العلمية. وفي حوار مع جريدة اليوم "السابع"، في آذار/مارس2016، أشار الطفل وليد إلى أنه قد حصل على ألقاب عديدة، منها "العبقري الصغير"، و"أصغر عالِم في الكون"، و"البروفيسور الصغير". وكان الدكتور عبيد صلاح، رئيس جامعة دمنهور، بدوره، قد أهدى وليد، درع الجامعة، في العام نفسه، وأعلن تبني الجامعة له. وقبل ذلك قامت الدكتورة عبير العراقي، سفيرة الاتحاد العالمي لحماية الطفولة، باستقبال وليد وتكريمه.

ووصل الحضور الإعلامي للطفل وليد إلى قمته، حين ظهر في برنامج " حقائق وأسرار"، وجاءت التقارير الإعلامية التي تناولت الحلقة مكللة بعناوين درامية مثل "الطفل المخترع يقبّل يد والده...ومصطفى بكري يبكي على الهواء". وكشف الطفل وليد، الذي كان يشير إلى نفسه، بـ"الكيان العلمي"، وبضمير الغائب أحياناً، خلال الحلقة، أنه في طريقه لاختراع علاج للسرطان بالموجات فوق الصوتية، بالإضافة إلى فك شفرة القنبلة والصاروخ، هذا غير إعرابه عن امتنانه لتعاون الجيش المصري معه، ومساعدته له. وفي مناسبة أخرى أعلن والد الطفل أن وليد حصل على وسام الشرف "عمل وإنجاز" من الكلية الفنية العسكرية. وبعدها تناقلت وسائل الإعلام أخباراً عن استضافة الرئيس السيسي لوليد في القصر الرئاسي، العام 2016، ولمدة أربعة أيام كاملة. وبحسب والده، لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يستدعى فيها وليد إلى القصر الرئاسي.

وحين توفى الدكتور أحمد زويل، سارعت وسائل الإعلام لاستضافة الطفل وليد، ليدلي بدلوه بشأن زميله في البحث العلمي، الحاصل على جائزة نوبل. وصرّح الطفل حينها، عبر شاشات التلفزيون، بأنه "لو مات زويل، فالعلم حيّ لن يموت"، مضيفاً أنه هو شخصياً سيستكمل المسيرة: "بكل أصرار وتحدٍّ، أقول إن لدي المزيد لأقدمه للبشرية". ولا يبدو تصريح وليد مبالغاً فيه، فهو ينسب لنفسه عدداً من الاختراعات، كان أولها وهو في الصف الابتدائي الرابع، حين اختراع علاجاً لمرض فيروس الكبد الوبائي(س)، وصنع اختراعاً لتوليد الكهرباء من النباتات. وببلوغه الصف الإعدادي الثاني، ضم "أصغر مخترع في العالم"، إلى لائحة إنجازاته، أبحاثاً في مجال النانو تكنولوجي، ومنظومة مضادات مغناطيسية لحماية الطائرات الحربية، وإنتاج الطاقة النظيفة من ورد النيل، وكذلك الروبوت الاستكشافي لعلاج أمراض التربة، وحصل على لقب "سفير العلم" مما سماه "ولاية الشارقة" (وربما كان يعني "إمارة الشارقة"). هذا غير انضمامه إلى فريق الدكتور مصطفي السيد، لعلاج السرطان بجزئيات الذهب. وعلى ما يبدو، من تصريحات الطفل وليد التلفزيونية، هناك خلاف في وجهات النظر العلمية ثار بينه وبين الدكتور السيد.

لكن نشاط الطفل وليد لا يتوقف هنا. فلديه عدد من المبادرات التعليمية والسياسية والاجتماعية، منها حملة "ابدأ بنفسك" وبرنامج " المهندس الصغير"، إضافة إلى تبرعه بكل ما يملك لصندوق "تحيا مصر". ويحمل البروفيسور الطفل، موقفاً سياسياً واضحاً، فهو يرى أن الإعلام مسؤول عن الأفكار الهدامة ويشجع على "التمرد وتدمير الذات". ودعا أكثر من مرة إلى وضع قيود على ما يمكن مشاهدته في الإعلام.

ومرت ثلاثة أعوام، وما زالت أسطورة الطفل وليد مستمرة في الصعود، وهو يحصد الألقاب العلمية والجوائز، ويتلقى الدعوات لإلقاء المحاضرات أمام طلاب الماجستير والدكتوراة في أكبر جامعات العالم. فيما يرفض إغراءات تعرض عليه للانتقال للعيش في بريطانيا وروسيا.

رحل محافظ البحيرة السابق، وخلَفته في المنصب، المهندسة نادية عبده، ولم يفُتها هي أيضاً أن تكرّم الطفل وليد أمام كاميرات الإعلام، نهاية الشهر الماضي. لكن يبدو أن هذه ستكون آخر التكريمات التي سيتلقاها. فالإعلام كانت قد تنبّه أخيراً إلى أن الطفل الذي يظهر في الشاشات مرتدياً "البالطو" الأبيض، ومردداً سلسلة من الكلمات الإنجليزية التي لا تعني شيئاً، لم يقدم دليلاً واحداً على كل ما ادعاه. وخلال الأسبوع الماضي، تحول بعض الصحف عن الحديث عن إنجازاته، إلى التساؤل عن وضعه القانوني كقاصر في حالة المساءلة القانونية، بتهمة النصب.

لكن وليد بالفعل يستحق التكريم الذي تلقاه. ليس لإنجازه العلمي، بل لسعة الخيال، وتلك الثقة المبهرة في النفس أمام الكاميرات، والتلقائية في أدائه، واختلاق القصص والحكايات الغنية بالتفاصيل، لحظياً في أستوديوهات التلفزيون، إضافة إلى قفزه بين أدب الفتيان والخيال العلمي، ومن الفانتازيا الرومانسية ومسلسلات الجاسوسية إلى البروباغندا العسكرية. ربما كان لفانتازيات وليد الطفولية أن تبقى مقتصرة على حلقة من زملاء فصله، أو دفتر مذكراته، لولا أنه وجد صحفاً ومحطات تلفزيونية ومحافظين ولواءات جيش وعمداء جامعات ومسؤولين على كل مستوى، وصولاً إلى القصر الرئاسي، مستعدين للتماهي مع تخريفاته الساذجة، وترويجها، بل وربما بإقناعه هو نفسه بصحتها.

لا يبدو الطفل وليد، استثناء. ففانتازيا الخيال العلمي، الوريث المعلمَن لقصص العفاريات والجنيات، لطالما خدمت حاجات ملحّة في المجتمع الحديث، لا تخلو من نكهة طفولية. فسواء في صورة الأدب أو البروباغندا السياسية، يطرح الخيال العلمي إمكانية لتجاوز الحاضر، وتصور إمكانات لعوالم أخرى، تبشر بالخلاص أو تروّعنا بالفناء. وفي كل هذا، فإن الخوف والأمل، هما ما يجّرنا من أيدينا إلى مغادرة الواقع لبرهة. لكن ما يبدو استثناء في حالتنا هذه، هو تلك النقطة التي تحولت فيها الفانتازيا إلى ضلالات، تخرج من سلاسل روايات الجيب والأفلام الأجنبية المترجمة، إلى أجهزة السلطة التنفيذية ووسائل الإعلام والجامعات، وتتمدد خلال أعوام ثلاثة من الهذيان الجماعي، بين حمَلَة الألقاب العلمية والرتب العسكرية، بأكاذيب بلهاء لطفل في الصف الابتدائي الرابع، بحماس وقناعة يليقان بما وصلت إليه دولتهم الخربة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها