الجمعة 2018/09/21

آخر تحديث: 09:18 (بيروت)

أمر اليوم: مواجهة أميركا

الجمعة 2018/09/21
أمر اليوم: مواجهة أميركا
increase حجم الخط decrease
احتلت الأزمة الحكومية الخانقة حيّزاً صغيراً جداً من الخطاب الأخير للأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله. غمز بمؤشرات نعرفها عن تأجيل الاستحقاق الحكومي نتيجة وحي خارجي بذلك، أرفقه بمطالبة الاستمرار بالحوار الداخلي. لا نصر الله ولا النائب السابق وليد جنبلاط، ولا رئيس الجمهورية ميشال عون ولا حتى رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري، مستعد للتضحية من أجل الاستحقاق الحكومي. لا أحد قادراً على إلغاء الآخر. هذه هي القاعدة الذهبية التي نسمعها مراراً وتكراراً، ولا يهم إن كان الاقتصاد يذوب والتحديات المالية تتراكم. إنها مُثلجات كانت لذيذة، لكنها تذوب فيما يدور نقاش لا متناه حول من يلتهم الحصة الأكبر. وبالتالي، من الصعب فهم مواقف المختلفين على الحصص في هذه الأوقات الحرجة.

بعيداً عن هذا الملف، هناك في خطاب نصر الله مقتطفات تحمل أهمية خاصة، على ارتباط بمواجهة تلوح بالأفق، وتتطلب نظرة متأنية. بيد أن نصر الله حدد معالم معركة جديدة: مواجهة العقوبات الأميركية المقبلة على إيران. وهنا، جاء اعتراف صريح للمرة الأولى بخطورة هذه العقوبات على الاقتصاد الإيراني، إذ راكمت طهران تصريحات بعدم أهميتها وبقدرة الإيرانيين على تجاوزها، ذاك أنهم نجوا من مثيلاتها خلال الحرب العراقية الإيرانية وفي تسعينات القرن الماضي، ولسنوات قبل توقيع الاتفاق النووي. مع الإعتراف، حدد نصر الله دوراً جديداً لـ"حزب الله" وحلفائه في المواجهة الأبدية: "من واجبنا أن نقف إلى جانب ​إيران​ التي ستدخل الى استحقاق بدء تنفيذ العقوبات الأميركية". تعمل الإدارة الأميركية​ "على مدى الساعة لتحاصر إيران وتمنع دول العالم من شراء ​النفط​ الإيراني".

لماذا هذا العداء؟ واشنطن تُعاقب طهران "بسبب واضح جداً، لأنها أولاً تلتزم وتحرص ومتمسكة بدينها وبإسلامها وبجمهوريتها واستقلالها وسيادتها وحريتها، لأن ايران قائداً وحكومة وبرلماناً وشعباً ترفض أن تصبح عبداً عند السيد الأميركي وترفض أن يصادر أحد قراراتها أو ينهب ثروتها وأموالها كما يحصل مع دول أخرى". ايران المسكينة تريد أن تكون "دولة مستقلة وسيدة وحرة"، لكن واشنطن تحول دون ذلك وتقمع الحريات التي يصبو إليها رجال الدين. المنطق يتابع تسلسله بهذا التبسيط. إيران ليست فقط مظلومة لكنها أيضاً تلعب دوراً خيرياً في المنطقة، وبالتالي علينا المساعدة في محنتها: "تريد المساعدة في إسقاط مشاريع الاحتلال. يجب أن نستحضر فضلها ووقوفها الى جانب الشعب الفلسطيني وال​لبنان​ي… إيران كانت أول من لبى نداء الشعب ​العراق​ي عندما جاء داعش، ايران وقفت الى جانب ​سوريا​ عندما شنت الحرب الكونية عليها، ايران ملتزمة بقضايا المظلومين والمستضعفين، علينا أن نقف الى جانبها سياسياً وشعبياً ومعنوياً في مواجهة الحصار والعقوبات والضغط".

بعد هذا الإعلان، وهو ذو مفاعيل محلية، رسم الأمين العام للحزب أسس الحُجّة لعداء الولايات المتحدة على الساحة اللبنانية. ذاك أن العقوبات والتهديدات الأميركية هنا، وفقاً لنصر الله، تشمل "حزب الله" والإقتصاد اللبناني أيضاً، ولا تقتصر على الإيرانيين. لكن المشكلة تكمن في أن "هناك من ينظر إليها (الولايات المتحدة) على أنها صديق وحليف في المنطقة". لذا تحدى معارضيه اللبنانيين "كيف يمكنهم أن يدلونا على إمكانية الصداقة مع أميركا؟". وعدد أوجه الدعم الأميركي لإسرائيل وعداءها للفلسطينيين وحق العودة والأونروا وعملها الدؤوب من أجل التوطين. ومن ثم حمّل واشنطن مسؤولية جلب "داعش" (مباشرة وليس بالواسطة) إلى المنطقة "لتدميرها"، إذ "تعمل على نقل داعش بالطوافات إلى أفغانستان ومصر والجزائر وليبيا واليمن".

هذا الكلام يبدو رسماً لخطة عملية، لا مجرد موقف. "حزب الله" يريد مواجهة الولايات المتحدة في لبنان أيضاً. من المطلوب تبديل موقف حلفائه وأصدقائه المتمسكين بنظرتهم الايجابية لواشنطن، تحديداً التيار الوطني الحر، ومن ثم ادارة الدفة بعيداً عن الولايات المتحدة.

انتهى زمن تلقي الضربات المالية، وبات الرد في الداخل ضرورياً بالسياسة. لبنان ذو الاقتصاد المتهالك، عليه مواجهة أعتى قوة عسكرية واقتصادية في العالم. هل تصلح حكومة يقودها سعد الحريري لمثل هذه المهمة؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها