الإثنين 2018/09/10

آخر تحديث: 12:10 (بيروت)

السويد تجنح ضد المهاجرين

الإثنين 2018/09/10
السويد تجنح ضد المهاجرين
increase حجم الخط decrease

آلاف الكيلومترات بعيداً عن مشكلات الشرق الأوسط، يبدو أننا، سكان هذه المنطقة والمعنيين بقضاياها، على وشك تكبد خسارة معنوية أخرى، في السويد، البلد المُناصر للشعب الفلسطيني، والمفتوح الأبواب للاجئين من كل حدب وصوب. فاز حزب الديموقراطيين السويديين اليميني المتشدد، والمتعاطف أيضاً مع إسرائيل والرئيس السوري بشار الأسد (في آن واحد، مثل عصافير الحب)، بسُدُس مقاعد البرلمان، ما يجعل تشكيل حكومة من دونه، مهمة صعبة. وحتى لو شُكلت الحكومة من دونه، وهذا أيضاً محتمل جداً بعد مفاوضات شاقة، ستفرض أجندة الحزب نفسها على الساحة السياسية والأحزاب التقليدية. ذاك أن الناخب السويدي بعث برسالة قوية الى الأحزاب التقليدية، لها علاقة باللجوء والهجرة، ولكن أيضاً بخطط اندماج المسلمين في البلاد.

وهذا التحول المرتقب في السياسة يدعو إلى التأمل بالأسباب، بما أن للسويد تاريخاً من التعاطف مع قضايا المنطقة واحتضان أبنائها. ففي السويد، عشرات ألوف اللبنانيين الهاربين من الحرب الأهلية في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، وأكثر من ذلك من الفلسطينيين والعراقيين والسوريين. وهذه علاقة تعاطف مع قضايا المنطقة ليست بالجديدة، بل عمرها 7 عقود، إذ يعود بها البعض إلى اغتيال المبعوث الأممي فولكي برنادوت (سويدي الجنسية) في القدس في أيلول (سبتمبر) عام 1948، بأيدي عصابة ليحي المعروفة أيضاً بإسم مؤسسها، "شتيرن". برنادوت، صاحب اقتراح التقسيم لمصلحة دولتين، كان مُصراً على عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بلداتهم وقراهم، وأيضاً على إعادة أراض احتلتها الدولة العبرية عام 1948 (الاقتراح رُفض رسمياً في العالم العربي).

منذ حينها، ولدولة السويد موقف مزعج جداً ضد الاحتلال الاسرائيلي، لا بل شكل هذا الموقف أساساً في السياسة عبرت عنه وزيرة الخارجية الراحلة آن ليند وقيادات اليسار السويدي. أضحت السويد منذ عام 2014 الدولة الوحيدة التي تعترف بدولة فلسطين، في الاتحاد الأوروبي، وهي من أكثر الداعمين في العالم لمنظمة الأونروا (62 مليون دولار) وأيضاً لمنظمات المجتمع المدني في رام الله وغزة.

صحيح أن خسارة مثل هذا الحليف لقضايا المنطقة، لو تحققت، تأتي في سياق موجة يمينية تجتاح أوروبا نتيجة موجات اللجوء والهجرة المتعاقبة، وفشل الأحزاب الحاكمة في معالجة ذيولها ووضع السياسات المناسبة للتعاطي معها. لكن هناك أيضاً دافعاً ثقافياً في هذه الموجة علينا الإلتفات اليه، وهي الاعتقاد السائد في الأوساط الشعبية في أوروبا والسويد بأن الإسلام لا يتوافق أو يتصالح ليس فقط مع الحضارة الغربية، ولكن أيضاً مع الديموقراطية وحقوق الإنسان والحريات الأساسية. وهذا الاعتقاد نتج من تجربة الاختلاط مع المسلمين على نطاق واسع. علاوة على العنف المتشدد لتنظيمي "داعش" و"القاعدة"، برزت ظواهر مجتمعية مثل جرائم الشرف ضمن العائلة الواحدة، وتكفير غير المسلمين والتحريض ضدهم في المساجد الأوروبية، ومضايقة من يحتسي الكحول أو يرقص أو يتبادل القبلات في الأماكن العامة. يُضاف الى كل ذلك انتشار ظاهرة النقاب بشكل واسع نتيجة تأثيرات الاسلام السياسي وقدراته الاعلامية.

لذا لا يجد حزب ركيك مثل "السويديين الديموقراطيين" صعوبة في اقناع الناخبين بأن الإسلام لا يتوافق مع الثقافات الأوروبية، ويُمثل تهديداً وجودياً لها هو الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية، وبالتالي من الضرورة وقف هجرة المسلمين، واتخاذ اجراءات لاعادة اللاجئين منهم إلى بلدانهم. ذاك أن قسماً من المهاجرين المسلمين تولوا هذه المهمة بأنفسهم. والدليل أن الحزب تمكن بفضل موجة اللجوء غداة الحرب السورية من مضاعفة حصته في البرلمان عام 2014، والآن يتجه لمضاعفتها مجدداً.

المهم أن السويد تجنح اليوم إلى اليمين. ومن الصعب الجزم بأن هذا التهديد موسمي، إذ جنحت بولندا والمجر والدنمارك والنمسا يميناً وما زالت. وسبق أن نجح حزب معاد للهجرة في تبديل أجندات الأحزاب التقليدية في النرويج وإغلاق أبوابها أمام المهاجرين وطالبي اللجوء.

يجب أن لا تمر هذه الخسارة مرور الكرام، بل يجب أن تُشكل دعوة للتمعن بالواقع الثقافي المتردي في بلادنا، وما نحمله معنا إلى الاغتراب والمهجر من عادات تجعل الأوروبيين يلعنون ساعة استقبالنا، ويستدعون من ثقافاتهم هياكل دفنوها في الحرب العالمية الثانية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها