الإثنين 2018/08/06

آخر تحديث: 09:09 (بيروت)

اللاجئ الكهربائي السوري

الإثنين 2018/08/06
اللاجئ الكهربائي السوري
increase حجم الخط decrease

"ضغف التغذية من ​التيار الكهربائي​ سببه الزيادة على الكهرباء التي طرأت نتيجة وجود السوريين واستهلاكهم للطاقة وغيرها من المشاكل". هكذا لخّص وزير الطاقة اللبناني سيزار أبي خليل مشكلة الكهرباء في لبنان بعد أحداث الأسبوع الماضي. هناك سببان لأزمة الكهرباء في لبنان: اللاجئون السوريون منذ عام 2012، و"غيرها من المشاكل"، وهي من الصنف الثانوي أو غير المهم، إذ لا حاجة لتعدادها. إذن، يُعاني القطاع الكهربائي الفاشل والمتخبط منذ نهاية الحرب الأهلية اللبنانية، من استهلاك اللاجئين السوريين المتواجدين على أراضيه. كُنّا في لبنان على وشك الانتقال إلى مرحلة كهربائية غير مسبوقة في تاريخنا، لكن اللاجئين السوريين بدأوا بالتوافد إلى لبنان، وبإستهلاك الطاقة بكميات أحبطت كل المخططات التقدمية لوزارة الطاقة. وكأن اللاجئ السوري وصل إلى لبنان مرتدياً شمعداناً كهربائياً فوق رأسه، ووصله سريعاً بشبكة الطاقة اللبنانية فور دخوله بلدة المصنع.

والواقع أن برنامج الأمم المتحدة للتنمية موّل دراسة عن أثر اللجوء السوري في قطاع الطاقة، خلص فيها إلى أن اللاجئين السوريين رفعوا الاستهلاك بشكل مباشر وغير مباشر بنسبة 486 ميغاواط. مثل هذه التقويمات، سيما أن وزارة الطاقة شريكة فيها، لا تتسم بالدقة، وتشمل تقديرات عن استهلاك اللاجئين المرافق الصحية والعامة والخاصة والمدارس. بكل الأحوال، تبلغ الطاقة الانتاجية للكهرباء في لبنان 2000 ميغاواط، فيما الحاجة الاستهلاكية 3100، وفقاً لتقرير عن القطاع كتبه جيريمي عربيد، ونشرته مجلة "إكزكيوتيف" باللغة الانكليزية. وبالتالي، لو صحت التقديرات السابقة، فإن اللاجئين السوريين يستهلكون رُبع الطاقة المتوافرة. وهذا غير معقول لو أخذنا في الاعتبار أن استهلاك اللاجئ الفقير أقل، وأن جزءاً مهماً منهم يقطنون شققاً ومنازل يُسددون ايجاراتها.

أما "غيرها من المشاكل"، فتتطلب بعض التدقيق. وفقاً لخطة الكهرباء الحكومية عام 2010 (قبل اللجوء)، كما نقلتها المجلة أعلاه، فإن "فشل الحكومة اللبنانية في إصلاح قطاع الكهرباء، يُسبب عجزاً بقيمة مليار ونصف المليار دولار على الخزينة العامة، تُضاف إليه خسائر بقيمة مليارين ونصف المليار دولار سنوياً". خسائر هذا القطاع سببها المشكلات التقنية المهملة، والتي يتحمل مسؤوليتها الوزراء المتعاقبون على هذه الحقيبة المهمة، والاستهلاك المجاني غير الشرعي للكهرباء (ضعف الجباية في بعض المناطق).

في العقد الأول بعد انتهاء الحرب الأهلية، أنفقت الجهات الدولية ملايين الدولارات لمساعدة الحكومة على تطوير استراتيجيتها في مجال الطاقة، دون التوصل إلى نتيجة تُذكر. وفقاً لدراسة ألمانية نُشرت عام 2000، فإن المساعدات التقنية المرصودة حينها للقطاع، من البنك الدولي والمفوضية الأوروبية، بلغت 6 ملايين دولار و30 مليون يورو تباعاً. الدراسة عينها أبدت شكوكاً حيال الإصلاحات المرتقبة، إذ أن "مصفاتي الزهراني وطرابلس الخارجتين عن العمل، توظفان 500 شخص … وتُمثل عبئاً مهماً على الخزينة اللبنانية". واللافت هنا أن عمال مصفاة طرابلس كانوا موضع جدل عام 2012، إذ طالب وزير الطاقة حينها جبران باسيل بتصحيح الخلل في التمثيل الطائفي بين المسيحيين والمسلمين في الكادر الوظيفي داخل مصفاة طرابلس المتوقفة عن العمل. كان السجال سوريالياً حينها، إذ استدعى تذكيراً من النائب محمد كبارة بأن الخلل في التوازن المذهبي في الكادر الوظيفي، يعود إلى زمن الشركة العراقية، أي قبل تأميم النفط العراقي في سبعينات القرن الماضي!

الحلول المتوافرة لإصلاح قطاع الكهرباء في لبنان كثيرة، من تعميم الطاقة الشمسية، سيما في المناطق الزراعية والحلول الجزئية (تسخين المياه مثالاً)، إلى تطوير المعامل الحالية وإنشاء غيرها بمشاركة القطاع الخاص. نسمع القليل من المسؤولين في الوزارة عن هذه الخطط والقضايا، بما أنهم تحولوا إلى خبراء في استهلاك اللاجئين للكهرباء. إحدى المسؤولين في الوزارة ادعت في مقابلة أخيراً بأن "النازحين يستهلكون يومياً بحدود خمس ساعات تغذية وتصل تكلفة الميغاواط التي يستهلكونها اضافة الى ساعات القطع الى حوالى 333 مليون دولار في السنة".

أرقام اللاجئين دائماً سهلة على الحفظ، وعصية على التصديق: 333 مليون دولار. كيف توصلت الوزارة الى هذا الرقم الذهبي في حسبة بالغة التعقيد، يُفترض أن تأتي بفواصل، أو على الأقل بأرقام ليست متشابهة الى هذا الحد. المهم أن اللاجئين السوريين هم سبب التقنين الحالي. ليس في حسابات الوزارة، أن مشكلة الكهرباء متواصلة منذ اندلاع الحرب الأهلية، فيما دخل اللاجئون السوريون البلاد قبل 6 سنوات فقط. الحقائق هنا ليست مهمة، لا بل تفقد علة وجودها في حضور كبش المحرقة. ذاك أن وزارة الطاقة وجدت أخيراً من تلومه بعد عقود متواصلة من الفشل.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها