الإثنين 2018/08/27

آخر تحديث: 08:22 (بيروت)

العقوبات تزيد الفشل الاقتصادي

الإثنين 2018/08/27
العقوبات تزيد الفشل الاقتصادي
increase حجم الخط decrease

في احتفالات الإنتصار بالحرب العراقية-الإيرانية وغيرها، تتدفق تصريحات المسؤولين والجنرالات الإيرانيين عن الصمود والقدرات اللامتناهية المدفوعة بالدعم الإلهي. تنطلق كإنفراجة بعد حين، أو كنبع شق طريقه للتو من بين الصخر، فتزيد النياشين الذهبية لمعاناً، ويدلي الأدميرال تلو الآخر بكلامٍ عن السيطرة على عواصم جديدة في منطقتنا.

اليوم، وفي ظل الحرب الإقتصادية التي تلوح في الأفق، تبدو إيران في موقف دفاعي، وذلك للمرة الأولى منذ سنوات. ذاك أن العقوبات لم تأت على بطن فارغة، بل فوق كومة أزمات اقتصادية متلاحقة نتيجة سوء الإدارة. نعم سوء إدارة، لا المؤامرات الكونية والغربية. بالأمس، أقال البرلمان الإيراني وزير المال مسعود كرباسيان، وهو الضحية الثانية بعد وزير العمل علي ربعي. المحافظون، وبما أنهم ليسوا بالسلطة، يتحدثون بصراحة عن قرارات خاطئة والفشل في الإدارة. نقلت وسائل الإعلام عن النائب المحافظ عباس بايزادة قبيل الإقالة أن "قلة الفاعلية وغياب التخطيط لا علاقة لهما بالعقوبات".

العقوبات، أو "المؤامرة"، تأتي لاحقاً لإكمال ما بدأه مسؤولون فاشلون في إدارة المال العام منذ جاء رجل اسمه محمود أحمدي نجاد إلى موقع الرئاسة عام 2005. بيد أن إيران تواجه تحديات اقتصادية ليست ببعيدة عن بقية المنطقة، لجهة الحاجة الى خطف الدعم أو رفعه عن الفئات الفقيرة. وهذه سياسة أسهمت إلى حد بعيد في زيادة التضخم في ظل غياب التخطيط إبان الطفرة النفطية خلال الولاية الأولى للرئيس الإيراني السابق. وتوزيع المال على شكل إعانات لضمان ولاءات فئات من الشعب، سياسة معهودة وليست بالغريبة، وتنسحب أيضاً على لبنان حيث يتحضر "حزب الله" لحزمة العقوبات المقبلة.

واللافت أن خطاب الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله يوم أمس، جاء في السياق ذاته. على عكس الحديث عن إسرائيل والانتصارات الكبيرة ضدها، والاستعدادات الخارقة لأي حرب مقبلة، شحّ الكلام في الاقتصاد، وحَضر فقط الدفاع عن تاريخ الحزب ونظافته. فعند ورود الأزمة الاقتصادية والمالية، سترتفع الأصوات النقدية، ومن الضروري اسكاتها مبكراً. وهذه السياسة تحتاج إلى قصة متكاملة تُبررها، وهذا بالفعل ما سمعناه في خطاب أمس:

أولاً، وصلت الولايات المتحدة واسرائيل وحلفاؤهما الى قناعة بعدم وجود حل عسكري لمواجهة "حزب الله"، بل الطريقة الوحيدة تقضي بإسقاطه في بيئته "التي تثق بنظافته رغم الشائعات التي يلصقونها به". والجزء الأول من كلام نصر الله صحيح، وبات يرد على ألسنة المسؤولين الاسرائيليين السابقين والحاليين. باتت هناك قناعة لدى اليمين الاسرائيلي والأميركي بأن العقوبات أكثر نجاحاً في مواجهة الحزب من حرب غير مضمونة النتيجة، وذات كلفة بشرية عالية جداً.

ثانياً، يظنّ الأميركيون، وفقاً للأمين العام، بأن "الأخطر أن نحمّل الحزب مسؤولية الحرمان في البقاع ونشكّك الناس في حزب الله". بحسب هذا المنطق، من الخطر اتهام "حزب الله" بالتقصير في إنماء منطقة يُسيطر عليها منذ ثمانينات القرن الماضي. وهذا الكلام الاستباقي مهم ليس فقط لأن العقوبات قادمة وستكون مؤلمة مالياً على الحزب، وقد تحد من قدرته على توفير الخدمات، وهي ضرورية في النظام اللبناني. بل تكمن أهمية هذا الكلام في موضع آخر: ليست لـ"حزب الله" قدرة على انجاز الإنماء المطلوب في منطقة البقاع، كما وعد خلال الانتخابات الماضية.

ولهذا العجز سببان أساسيان. أولاً، لا دليل على امتلاك التنظيم الكفاءة المطلوبة لذلك. فهو لم يُقدم نموذجاً يُحتذى به منذ دخوله البرلمان عام 1992 والبلديات عام 1998 والحكومة اللبنانية منذ عام 2005. ليست الأحزاب الأخرى أفضل بكثير. لكن على الأقل هناك وزراء تركوا أثراً في مواقعهم يتذكره الناس، مثل وائل أبو فاعور في الصحة أو زياد بارود في الداخلية. هل لدى "حزب الله" مجلساً بلدياً مثل ذاك القائم في زحلة أو جبيل؟ التنظيم يُخوّن أمثال زياد حواط داخل طائفته، ولا ينتقيهم لتولي مناصب.

ثانياً، لا تملك الخزينة المال الكافي لتمويل عملية انماء واسعة النطاق في البقاع. التقشف في الإنفاق سيكون أول البنود على جدول أعمال أي حكومة مقبلة. والحديث عن انشاء مجلس إنماء للبقاع وعكار سوية يزيد الأمور تعقيداً، إذ يرفع الكلفة الإجمالية. حتى تشريع الحشيشة لا يبدو ممكناً في الفترة المقبلة، إذ تُحاول الحكومة حماية القطاع المصرفي من تداعيات العقوبات الأميركية.

لا يعني ذلك أيضاً أن هناك معارضة شيعية ستنشأ، إلا أن الحديث عن حالة اعتراضية مُشتتة قد تتبلور بقاعاً، ليس بالبعيد. عندها ستكون العقوبات مرآة مُكبرة لفشل خدماتي وإداري سابق لا يجد المسؤولون عنه شجاعة كافية للاعتراف به أو حتى بجزء منه.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها