الأحد 2018/08/26

آخر تحديث: 08:28 (بيروت)

لبنان الذي لا يفيد سوريا وإيران

الأحد 2018/08/26
لبنان الذي لا يفيد سوريا وإيران
increase حجم الخط decrease

يشتد الضغط السياسي لتطبيع الدولة اللبنانية مع النظام السوري. هو ضغط لا يستهدف مجرد التنسيق  الإداري والسياسي بينهما بقدر ما يهدف إلى عودة فاعلة للنظام السوري داخل الحياة السياسية اللبنانية وحضور مؤثر على القرار السياسي فيها. تمثل ذلك في الضغط لتوزير أكثر من شخصية موالية للنظام السوري داخل الحكومة الجديدة المرتقبة، وفي دفع الرئيس سعد الحريري لزيارة دمشق لكي ينتزع النظام السوري الاعتراف الدولي الكامل بشرعيته وكبداية لاستعادة هذا النظام وصايته السابقة على لبنان.

هذه الوضعية تثير تساؤلاً حول مغزى هذا الضغط:

هل هو لجني ثمار النجاح الانتخابي الذي حققته القوى والأحزاب اللبنانية الممانعة، إضافة إلى استثمار الانتصارات العسكرية التي حققها النظام السوري مؤخراً في جنوب سوريا ليصبح لبنان الحلقة الإضافية التي يحتاجها النظام في انتقاله من حال الدفاع ووضعية الهشاشة والضعف إلى حال الفاعلية والتأثير التي كان يملكها بسبب وصايته على لبنان.

أم أن الغرض هو تدارك العقوبات الأمريكية المتصاعدة على النظام الإيراني، ومسعى إيران عبر وكلائها المحليين لتغليب الصوت الممانع في الحكومة القادمة ليكون بالإمكان الإمساك مسبقاً بالورقة اللبنانية وتوظيفها لصالح النظام الإيراني قبل احتدام المواجهة المتوقعة بين الولايات المتحدة وإيران.

والحال، فإن كلتا الصورتين لن تحقق مبتغاها ومقصدها.  فلا النظام السوري بإمكانه إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، بحكم عجزه الحالي عن استعادة سلطته على كامل الاراضي السورية مع بقاء ما يزيد عن نسبة 30 بالمئة منها خارج سيطرته. وهي مناطق ذات أهمية اقتصادية واستراتيجية ولا يمكن للنظام أن يسترد عافيته من دونها.  كما إن النظام السوري خاضع لوصاية روسية خانقة. وهي وصاية تقوم على مراعاة مصالح الدول الكبرى وفي مقدمهم الولايات المتحدة لكي تكتسب هذه الوصاية اعترافاً أو إقراراً دولياً دائماً بها، أكثر من مراعاتها لمحور الممانعة الإيراني أو تبنيها لاستراتيجياته وغاياته الأيديولوجية.  هذا بالإضافة إلى أن انتصارات النظام العسكرية لا تعني أنه استعاد عافيته، بحكم أن أزمة مشروعية النظام داخلية أكثر منها خارجية، أي هي أزمة علاقة متخلخلة بين نظام وشعب وتزداد تفسخاً وتشظيا مع اعتماد الحل العسكري والقمع البوليسي في حل الأزمة السورية.

هذا يعني أن محاولة النظام السوري عبر وكلائه المحليين استعادة دوره الفاعل في الحياة السياسية اللبنانية ليست سوى محاولة لخلق عناصر قوة دولية وهمية وانتزاع مشروعية خارجية مزيفة تعوض عليه فقدان مشروعيته الداخلية.  فضلا عن أنها بمثابة قفز بل تعمية عن استحقاقات النظام الحقيقية الداخلية التي تنتظره ويجب عليه معالجتها قبل أن يستعيد نشاطه الطبيعي، وأهمها إعادة إعمار أكثر سوريا المدمرة، وإعادة بناء الانتظام السياسي الذي يبني الثقة من جديد بينه وبين مكونات شعبه ليضمن لنفسه الاستقرار وسلامة سير مؤسساته.

أما المسعى الإيراني الاستباقي لضم لبنان إلى جبهته الممانعة في صراعه القائم والقادم مع الولايات المتحدة الأمريكية، فهو مسعى خاسر بحكم أن لبنان وشعبه لن يتحمل أي توتير لجبهته الجنوبية ضد إسرائيل فضلاً عن أن اشتعال هذه الجبهة لن يخفف من وقع العقوبات القاسي على إيران. وبحكم أن المعركة القادمة هي معركة اقتصادية ومالية ضخمة لا يفيد لبنانُ إيرانَ فيها بشيء، ولا يتحمل خوضها إلا عمالقة الاقتصاد العالمي، حيث لا بد للدول ذات الإمكانات الإقتصادية المتواضعة من الوقوف على الحياد وإلا تعرضت للسحق السريع والموت الاقتصادي المؤكد.  إنها معركة (اقتصادية-مالية) ذات استراتيجيات وقواعد اشتباك مختلفة، لا ينفع معها عدد الصواريخ أو مداها، ولا مكان فيها لكل أيديولوجيات التعبئة والتحشيد، أو المناورات الأمنية والعسكرية، طالما أن الواقع الإنتاجي المحلي ما يزال واقعاً متلقيا ومتأثراً واستهلاكياً إن لم نقل بدائياً ومعطلاً. ما يعني أن إيران قد تنجح في ضم لبنان إلى جبهتها، لكن بعد أن تمتد إليه لعنة العقوبات الاقتصادية الأمريكية وتحيله كياناً ميتاً لا حراك فيه. وهو أمر يبدو أن الإدارة الأمريكية تلوح به بالإشارة والتلميح.

حين سقط الإتحاد السوفيتي وسقطت معه طوباويات الحتم التاريخي، كان واضحاً أن موازين القوى العالمية باتت تتحدد وفق الأوزان الاقتصادية، وليس وفق الحقيقة المتخيلة أو سرديات الأساطير والأيديولوجيات التي تتحصن أو تلوذ بها المجتمعات المصابة بجرح تأخرها وتقدم الآخر (الغربي). هي أوزان (اقتصادية) تقررها بنية البلد الإنتاجية وتقدمه التقني وعقلانية نظامه، أي يقررها الإنخراط الفعلي في الحداثة التي تتطلب نظرة نقدية للذات وتطلعاً إلى الأمام والتخفيف من أثقال الماضي.  حيث لا ينتج جهد الرجوع إلى هذا الماضي ومنحه قدرات سحرية في حل مآزق اللحظة الحاضرة، سوى الانسلاخ عن الواقع والاغتراب عنه وتلقي الهزائم والنكسات الواحدة تلو الآخرى. هنا تكمن معضلة النهوض أو التقدم، التي ما تزال منسية أو مهملة عندنا رغم ارصدة الثورات والانتصارات الكبرى التي ندعي حملها.


 

              

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها