الثلاثاء 2018/08/21

آخر تحديث: 12:35 (بيروت)

الإنترنت المصري: مَركَزة القمع

الثلاثاء 2018/08/21
الإنترنت المصري: مَركَزة القمع
increase حجم الخط decrease
صادَق الرئيس المصري، قبل أيام، على قانون يشدد الرقابة على الإنترنت. وكان من ضمن ما جرَّمه، الدخول "على سبيل الخطأ ومن دون سبب وجيه" إلى واحد من المواقع المخالفة. ولا يأتي القانون بجديد، سوى اعتبار إن أي حساب في شبكات التواصل الاجتماعي أو مدونة أو موقع يتابعه 5000 فرد أو أكثر، يعد منصة إعلامية ويسري عليها قانون الإعلام. وهو في الحقيقة إقرار بأمر واقع، ويبدو اعترافاً قانونياً استثنائياً وفريداً بتأثير وسائل التواصل الاجتماعي ومسؤولياتها، وإن كان ما يدعو للقلق هو الصيغة الفضفاضة للقانون. وحتى هذا لا يستدعى الكثير من الانزعاج، فالأنشطة في الشبكة الإلكترونية، مُجرَّمة بالفعل، بترسانة ضخمة من القوانين، التي وبفضلها تم الحكم في عدد كبير من القضايا، بالسجن والغرامة، من ازدراء الأديان إلى دعم الإرهاب. وفي حين يخضع المدنيون للمحاكم العسكرية، فيما أضحى الاختفاء القسري أو التصفية الفورية، خبراً متواتراً، فإن تشديد عقوبات "جرائم" الإنترنت يظل خبراً متواضع الأهمية.

تراجَع النظام عن تجنيد اللجان الإلكترونية، لدعم وجه نظره ومهاجمة معارضيه وترويعهم، واكتفى بالحل الأسهل، والأكثر حسماً، وهو الحجب. فمع الوقت، تتحول مصر إلى بقعة مظلمة في الشبكة، ويُفاجأ مستخدمو الإنترنت بحجب الموقع تلو الآخر، وكان أحدها قد تم حجبه في يوم الإعلان عن انطلاقه. والحجب الذي طاول موقع "المدن" أيضاً، مؤخراً، لا يتبع إجراءً قانونياً، ولا تقف وراءه أي جهة علناً. فالمواقع تختفي هكذا، من دون سابق إنذار. ويسعى المستخدمون إلى التحايل على تلك القيود عبر التقنيات المتاحة لديهم، لكن يبدو أن الأجهزة الأمنية لها اليد الطولى في أحيان كثيرة. فغير قدرة الدولة على تعطيل الخدمة من المنبع، أي من طرف مقدم الخدمة، كما جمدت الإنترنت بالكامل أثناء الثورة، فإن أجهزة الأمن تتمتع بمنظومة تكنولوجية شديدة التطور للتتبع والرصد الإلكتروني، يفترض أن المعني بها هو التصدي للإرهاب والجريمة المنظمة، لكن يمكن استخدامها لأغراض أخرى أيضاً.

لكن القانون الذي أقرته مصر أخيراً، لا يبدو خطوة منفردة. ففي نهاية الأسبوع الماضي، تم الكشف عن تطوير شركة "غوغل"، نسخة معدلة من محركها للبحث، ليتناسب مع متطلبات الحكومة الصينية. ولا تكتفى النسخة الصديقة للأنظمة القمعية، بحجب مواقع بعينها، بل تحذف أيضاً الكلمات التي لا ترضى عنها الحكومة، حتى تُمسح موضوعات بكاملها من الإنترنت. ولا نعرف على وجه الدقة، ما الكلمات التي سيحذفها "غوغل" من اللغة، وإن كان من السهل تصورها. و"غوغل"، هو محرك البحث الأكبر في العالم، ولا يبدو أنه الشركة الأولى التي تخضع للاشتراطات الصينية. فحتى تطبيقات المواعدة الغرامية، النشطة في السوق الصينية، تخضع للاشتراطات الحكومية، وحذفت عدداً ضخماً من الكلمات ذات الطبيعة الجنسية، أو "اللا-أخلاقية" بحسب السلطات. فالرقابة المركزية هنا، غير معنية بالسياسي وحده، لكنها تفرض سلطتها على كافة المجالات الأخرى.

يتحايل المستخدمون الصينيون على مثل تلك القيود، ويخترعون كلمات مشفرة لتحل محل الممنوع. وتلاحقهم السلطات، وتقص الكلمات الجديدة، وتمنعها، وتدور اللعبة بين الطرفين. لا تُحسم المعركة الدائرة لصالح أي من الطرفين، لكن الأكيد أن موجة التفاؤل التي سرت قبل عقدين، والآمال التي عُلّقت على الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، تبددت بالكامل. فمع الوقت، ثبت أن التكنولوجيا الرقمية، محايدة إيديولوجياً. فكما أتاحت فرصة للتواصل والتعبير لمستخدميها، فإنها منحت السلطة قدرة استثنائية على مَركَزة القمع، والرقابة، والمراقبة والتتبع، بمستويات لم تكن متاحة من قبل.

ولعل الوقت قد حان للتفكير في طرق بديلة للتعامل مع معضلات شبكة، يبدو فيها الحجب هو القاعدة، لا العكس، وربما العودة إلى طرق تقليدية للتواصل والتعبير، كان يُظن إنها في سبيلها إلى الزوال.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها