الثلاثاء 2018/08/14

آخر تحديث: 01:07 (بيروت)

أزمة الليرة التركية في القاهرة

الثلاثاء 2018/08/14
أزمة الليرة التركية في القاهرة
يكشف اردوغان إن أميركا أمهلته ثلاثة أيام لإطلاق سراح القس الأميركي، وللحديث آذان صاغية في مصر (غيتي)
increase حجم الخط decrease
الجدل حول أغنية "نمبر وان" لمحمد رمضان، وخلع حجاب حلا شيحا، والكثير من التكهنات حول جريمة دير أبو مقار، كانت ما سيطر على ساحة الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في مصر، خلال الأسبوعين الماضيين. ففي ظل تجميد للسياسية، وشعور عام بلا جدواها، كانت أغنية رمضان فرصة التقطها البعض على مضض، للجدل حول موضوعات الطبقة، والفن وتداخله مع السياسة. فيما أعاد إعلان شيحة خلعها للحجاب، نقاشات تنتمي لعقد التسعينات، وبِلُغتها، وإن كانت أطرافها تغيرت كثيراً عن الماضي. وفي قضية الدير، لم يختلف الأمر كثيراً، فبغض النظر عن بعض الإثارة البوليسية التي حفزتها جريمة القتل، فإن ما تم الحديث عنه بخصوصها كان مجرد تدوير لقصص الثمانينات عن خلاف البابا السابق مع الأب الراحل، متى المسكين.

وما إن هدأ النقاش، حتى جاء هبوط الليرة التركية الحاد قبل يومين، بفرصة أخرى لاحتدام جدل من نوع آخر، تلقفه الكثير من مؤيدي السيسي ومن معارضيه، لتصفية خصومة مستمرة. فهؤلاء الذين أغضبهم موقف أردوغان المؤيد لجماعة "الإخوان" في مصر، وجدوا أخبار اهتزاز الاقتصاد التركي، فرصة للشماتة، ولمقارنة ما يحدث في تركيا بالصدمات الاقتصادية التي تعرضت لها مصر بعد 30 يونيو. أما أولئك الذين كانوا يرون في تركيا أردوغان، نموذجاً للحكم الإسلامي الرشيد، ودليلاً على نجاح الإسلام السياسي في تحقيق تقدم اقتصادي استثنائي، فوجدوا أنفسهم في وضع دفاعي. ويبدو إسقاط الخصومة الداخلية، على ساحة معارك خارجية، وتوهم انتصارات بالنيابة، ومؤامرات كونية ضد الإسلام في كل مكان، أمراً غير مثيرا للدهشة. فهزيمة التيارات الإسلامية، ومعها المعارضة بإجمالها، في مصر، يبدو نهائياً اليوم، ولا سبيل للتعافي من الأمر سوى بتصور معارك في مكان آخر. أما الذين انتصروا، بهزيمة "الإخوان" وصعود السيسي، فانتصارهم جاء بطعم الهزيمة، ولا طريقة لتخفيف مرارة تبعات انتصارهم، سوى الشماتة في خصوم متخيلين.

في تركيا، يعلن أردوغان بأن الأمر مؤامرة، وضربة في الظهر، وحرب اقتصادية. ويندد بالولايات المتحدة التي تطلق النار على حلفائها. ولا يجد الرئيس التركي، أي مبرر اقتصادي للهبوط الحاد لقيمة الليرة، ويكشف لمؤيديه إن الولايات المتحدة أمهلته ثلاثة أيام لإطلاق سراح القس الأميركي المحتجز لدي السلطات التركية. ويجد هذا الحديث آذاناً صاغية، بين الكثيرين في مصر. فالحرب تبدو مقدسة، وتدور حول رجل دين مسيحي، وهي امتداد لمحاولة الانقلاب العسكري على أردوغان، وتذكير بالانقلاب ضد محمد مرسي. تبقى تركيا الجبهة الأخيرة للصمود، وتنطلق دعوات لمساندتها بالإقبال على شراء الليرة التركية، في مصر كما تونس، وأماكن أخرى.

وفي القاهرة، ينتهز النائب طارق الخولي، أمين سر لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب المصري، الفرصة، ليذكرنا بأن "تركيا تتذوق الكأس نفسها بعد سعيها لتخريب ممهنج لاقتصاديات الشرق الأوسط". ويمدح المعارضة التركية "الوطنية" التي تقف ضد هبوط عملتها، عاقداً مقارنة بينها وبين المعارضة في مصر: "جماعة الإخوان الإرهابية، والتنظيمات الأخرى، التي تسعى لخراب المجتمع... نموذج للخيانة وتدمير الأوطان". يعيد الخولي الخطاب الرسمي للنظام بحذافيره، بلا جديد سوى القليل من الشماتة، فقوى خارجية تسعى إلى تدمير مصر، ويعاونها الخونة في الداخل.

يروج الفريقان نسخهما المختلفة من نظريات المؤامرة، وفي ظل حالة الجدب السياسي في مصر، ونفور غالبية المصريين من الحديث في الشأن العام، خوفاً أو يأساً، فإن المتبقي أمام الجميع هو العودة لنقاشات التسعينات عن الحجاب، أو الارتكاس إلى الثمانينات وجدل الفن الهادف والغناء السوقي، أو النبش في رصيد الصحافة الصفراء عن فضائح الكنائس، وفي أفضل الأحوال إسقاط معارك متخلية على شاشات سعر صرف الليرة، وصعود وهبوط أسعار الأسهم التركية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها