الأربعاء 2018/07/04

آخر تحديث: 09:14 (بيروت)

حوران بين صوتين

الأربعاء 2018/07/04
حوران بين صوتين
increase حجم الخط decrease

قد يكون مطلباً محقاً، ذاك الذي صدر بأقلام نخب حورانية، طالبت بكف الألسنة عن حوران، وترك شأنها، لأهلها. فالنصيحة عن بُعد، في الظروف الراهنة، ليست، بالضرورة، في محلها.


في بدايات الهجمة الشرسة لنظام الأسد على درعا، تعالت أصوات الكثيرين، تطالب بانتهاج سبيل يجنب المدنيين سيناريوهات القتل والتهجير وتدمير الممتلكات. لكن، في مراحل متقدمة، كان صوت رافضي الاستسلام بشروط مذلة، يرتفع أكثر فأكثر.


يؤكد الكثيرون من العسكريين والنشطاء المتحدرين من درعا، أن لتلك المنطقة ميزة تسمح لمقاتليها أن يُنهكوا نظام الأسد وحليفيه الإيراني والروسي، بصورة نوعية. فالمساحة الواسعة للمنطقة، مقارنة بحالات، شرقي حلب والغوطة وشمال حمص، إلى جانب كونها منطقة حدودية، ناهيك عن تعداد المقاتلين الكبير، والذخيرة المتاحة، ووجود حالة من التماسك العشائري المجتمعي، أفضل نسبياً من نظيراتها في مناطق سورية عديدة.. كل ذلك يسمح للفصائل المسلحة في درعا، إن امتلكت إرادة القتال، ووحدة الصف، أن تجر ميليشيات نظام الأسد وحلفائه إلى حرب استنزاف متعبة، لا يفلح الغطاء الجوي الروسي في تعطيلها. ففي هذا النوع من الحروب، يبقى العامل الحاسم، هو العنصر البشري المقاتل، وإرادة القتال لديه.. إلى جانب ما يمتلكه من خبرة في أرض القتال، بوصفها أرضه.


ارتفع صوت هذا الرأي عالياً، في الأيام الأخيرة، حتى كاد يصبح رأياً عاماً، يصعب على أحد مخالفته. لذلك، لقي انشقاق أحمد العودة في بصرى الشام، اتهامات ارتقت إلى حد التخوين.


في هذه الأثناء، تبدو روسيا كمن يسابق الزمن كي ينهي ملف الجنوب الغربي من سوريا، قبل القمة المرتقبة بين بوتين وترامب في هلسنكي، يوم 16 تموز/يوليو. فتلك القمة، ستناقش الملف السوري، بل توحي متابعة المصادر الإعلامية الغربية، بأن تلك القمة قد تضع خاتمة للخلاف الروسي – الأمريكي حول سوريا، إن كُلل اللقاء بالنجاح. فيما تذهب مصادر أمريكية تحديداً، إلى أبعد من ذلك، وتقول إن ترامب يعتزم عرض صفقة على بوتين، تنسحب بموجبها الولايات المتحدة الأمريكية من سوريا، وفق معادلة، تقبل فيها واشنطن ببقاء الأسد في الحكم، على أن تتعهد روسيا بإبعاد إيران عن الحدود الإسرائيلية.


وتجد تلك التسريبات الإعلامية تصديقاً رسمياً، عبر تصريح لافت لمستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون، قال فيه إن الأسد لا يمثل مشكلة استراتيجية لواشنطن. فالمشكلة تنحصر في الوجود الإيراني في سوريا، فقط.


هذا المنعطف إن حدث، سيؤكد مقولة لطالما رددها مطلعون وساسة، تعاملوا عن قرب مع الولايات المتحدة الأمريكية، في إدارات وحقب مختلفة، ومفادها أن الأمريكيين يحترمون الأقوياء، والذين يفرضون أنفسهم على الساحة. وبما أن الروس فرضوا أنفسهم بنجاح، وبالقوة القاهرة، على الساحة السورية، فالأمريكيون مستعدون لاحترام ذلك، وتكريسه.


ما سبق يعزز الرأي القائل بضرورة المقاومة والصمود في درعا، وعدم التسليم بشروط لا تحقق الحد الأدنى من مطالب المعارضة هناك. فعامل الوقت يشكل ضغطاً على الروس. فأن يذهب بوتين إلى لقائه مع ترامب، وفي جيبه حوران، ليس كأن يذهب إلى ذلك اللقاء وهو عاجز عن حسم ملف تلك المنطقة الحيوية من سوريا. دون شك، لأن المشهد الميداني في درعا، عشية لقاء هلسنكي، سيؤثر على مجريات التفاوض هناك، وعلى أوراق قوة الطرفين المتفاوضين.


وكلما طال أمد الحسم العسكري الأسدي – الروسي في حوران، كلما انعكس ذلك سلباً على قدرة الروس التفاوضية مع الأمريكيين بخصوص مصير سوريا.


لكن، هذه النقطة بالذات، هي التي ينطلق منها الرأي الثاني، الذي خفت كثيراً، في الآونة الأخيرة. ذلك الرأي الذي طالب منذ بدايات الهجمة على حوران، بألا تنجر فصائل المعارضة المسلحة وراء نصائح الخارج، وألا تجعل من نفسها، ومن حوران، وأهلها، مجرد ورقة على طاولة اللعب بين الكبار. هو الصوت ذاته الذي حذّر من تكرار سيناريوهات الغوطة وشرقي حلب، بما فيها من قتل وتهجير وتدمير. وهو الصوت الذي طالب بالبحث عن أسلم الحلول، وأكثرها حقناً للدماء، وحفظاً لحقوق المدنيين.


ما بين الصوتين، يحتار المراقب من بعيد. فالمشهد في درعا يحمل الكثير من سمات المشاهد السابقة في شرقي حلب والغوطة وسواهما.. تشتت فصائلي، وانضباط بتعليمات الداعم الخارجي، وشرخ مجتمعي – فصائلي، والكثير من الاختراقات الأمنية لنظام الأسد. ذلك التشابه بين المشاهد لا يشجع أبداً على توقع خاتمة مختلفة عن الخاتمات السابقة.


وحالما تقول ما سبق بصوت مرتفع، يصرخ في وجهك صوت حوراني مؤثر، بأن أهل مكة أدرى بشعابها. صوت يتحدث بحرقة، على أهله وأحبابه الموزعين بين تجمعات النازحين المأساوية على حدود الجولان أو الأردن.. وبين المتبقين في بلداتهم منتظرين مصائرهم في ترقب.. وبين الملتحقين بالقتال مستعدين للتضحية بالنفس في سبيل الكرامة. أمام هذا الصوت، يصمت صوت المقارنة. ويبقى التعويل على إرادة القتال ووحدة الصف. من دونهما، يصبح هذا الصوت الحوراني، صرخة بلا صدى.




increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها