الخميس 2018/07/26

آخر تحديث: 09:46 (بيروت)

موسكو أمام شروط إسرائيل السورية

الخميس 2018/07/26
موسكو أمام شروط إسرائيل السورية
increase حجم الخط decrease

يحرص نتانياهو ، في كل مرة يزور فيها موسكو ، على استباق الزيارة أو إتباعها بضربة لجيش النظام السوري وللمواقع والتجمعات الإيرانية في سوريا . وقد حرص أن يتعامل مع زيارة لافروف الأخيرة مع رئيس الأركان الروسي بالطريقة عينها . فما أن أقلع الضيوف الروس من مطار تل أبيب ، حتى كانت صواريخ نتانياهو تُسقط طائرة السوخوي السورية ، التي دخلت الأراضي الإسرائيلية إما "عن طريق الخطأ ، أو عدم المعرفة" ، حسب مصادر صحيفة "vesti" إلإسرائيلية الناطقة بالروسية .

يبرر الإسرائيليون سلوكهم هذا ، بأنهم لايثقون كثيراً بالوعود والتعهدات الروسية ، خاصة في ما يتعلق بالوجود الإيراني في سوريا، ولهذا يرفقون دائماً مطالبهم تجاه الروس بتوجيه مثل هذه الضربات  . وهم يدركون ، كما سواهم ، أن القيادة الروسية سخية التعهدات مع جميع الأطراف في المأزق السوري ، دون أن تلتفت إلى قدرتها على تحقيق هذا الوعود . ويعرف الإسرائيليون كذلك ، أن أحد أسباب هذا السلوك الروسي ، هو غياب استراتيجية روسية واضحة لانخراط روسيا في المقتلة السورية منذ العام 2015 ، كما يشير مستشرقون روس ، وآخرهم كان ألكسي مالاشنكو في مقابلة له منذ أيام مع صحيفة ألمانية .

لكن ما شهده اللقاء الروسي الإسرائيلي الأخير في القدس من سجال حول حقيقة التوافقات ، التي تم التوصل إليها بين الطرفين ، لم يشهده أي لقاء سابق بين الطرفين . فبعد أن انتشر في جميع وسائل الإعلام في العالم نبأ رفض إسرائيل الإقتراح الروسي بإنشاء منطقة عازلة على الحدود بين سوريا وإسرائيل بطول 100 كلم ، تخلو من أي تواجد إيراني ، خرجت وكالة نوفوستي ، في وقت متأخر من ليل الإثنين في 23 من الجاري ، لتؤكد على لسان مصدر إسرائيلي رفيع ، في إطار تعليقه على نبأ الرفض الإسرائيلي للمقترحات الروسية ، بأن القيادة الإسرائيلية معنية بالإنسحاب الكامل للقوات الإيرانية من سوريا ، "لكنها لم ترفض أية مقترحات روسية ". ونقلت الوكالة عن المصدر عينه قوله ، بأن "إسرائيل تحتفظ لنفسها بحق جيش الدفاع الإسرئيلي بحرية الحركة " .

إضافة إلى ذلك نقلت الوكالة عن صحيفة "هآرتس" ، بأن الإسرائيليين يطلبون ، إضافة إلى حرية حركة الجيش الإسرائيلي في سوريا، سحب الأسلحة بعيدة المدي من سوريا ، والتي يمكن للإيرانيين بواسطتها تخطي المنطقة العازلة . كما طالبوا أيضاً بنزع وسائل الدفاع الجوي ، التي تغطي هذه الأسلحة ، والتوقف عن نقل الأسلحة الإيرانية عبر الحدود إلى سوريا ولينان . ونقلت الصحيفة كذلك ، حسب الوكالة ، عن مصدر إسرائيلي مجهول قوله بأنهم "يفضلون في القدس العمل الآن ، بدل الإنتظار إلى حين تراكم إيران مئات وآلاف الصواريخ في سوريا وتحولها إلى لبنان آخر" .

ومع أن وزارة الخارجية الروسية عادت وأكدت ، إثر نوفوستي ، عدم صحة نبأ الرفض الإسرائيلي للمقترحات الروسية ، إلا أن ما نشرته وسائل الإعلام الروسية ، قبل الزيارة وبعدها، يثير الشكوك حول حقيقة ما تم  التوصل إليه في اللقاء . فقد نشرت نوفوستي عينها صبيحة يوم اللقاء الإثنين في 23 من الجاري تحليلاً لأحد كبار الكتاب السياسيين في "منتدى فالداي" المعروف فيدور لوكيانوف تناول فيه النتائج المحتملة للقاء المرتقب في القدس . يقول لوكيانوف أن من الواضح تماماً ، أن روسيا تريد معالجة التسوية في سوريا ، آخذة بالإعتبار مصالح الأمن الإسرائيلي ، و"تنظيم الأراضي السورية " على نحو لا تخرج منها أية تهديدات لإسرائيل ، إضافة إلى "اتفاق ما" بأن إيران لن تسعى إلى تواجد قواتها في هذه المنطقة . ويقول بأن جميع النشاطات الروسية في الأشهر الأخيرة مكرسة لهذا الأمر ، وتجري دبلوماسية نشطة "جزء منها علني ، وجزء آخر مغلق ". وإضافة إلى العسكريين، الذي يتخذون "إجراءاتهم " في هذا اللمجال ، تشارك في العملية الحكومة السورية وإيران أيضاَ .

ويؤكد لوكيانوف أن اللقاء سوف يتمخض بالتأكيد عن نتائج محددة . إلا "أننا لن نطلع على جميع هذه النتائج  ، بسبب حساسية الموضوع " ، خاصة بالنسبة لإيران وإسرائيل . ويقول نحن أمام حالة "لا ينبغي إعلان جميع الإتفاقات بشأنها" ، وهو يعتقد بأن شيئاً ما سوف يتم الإفصاح عنه "وشيئ ما قد لا يُعلن عنه". لكنه يعبر عن الثقة التامة ، بأن نتائج ما سوف يتم التوصل إليها ، وإلا " لما كان رئيس وزراء ليستقبل وزير خارجية ورئيس أركان" .

لكن المقالات والنصوص الكثيرة ، التي تنشرها وسائل الإعلام الروسية في اليومين الأخيرين ، تشير إلى أن ثمة ما يتخطى النقاش حول رفض إسرائيل للمقترحات الروسية أو قبولها بها . فقد نشرت صحيفة الكرملين "vz" صبيحة يوم اللقاء بالذات مقالة بعنوان " إسرائيل تحاول إخفاء دورها الحقيقي في الحرب السورية ". قالت الصحيفة، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي أعلن أن إسرائيل سمحت لأصحاب "الخوذ البيضاء" بعبور أراضيه بطلب من دونالد ترامب . لكن سرعان ما اتضح ، حسب الصحيفة ، أنه قد عبر الحدود أيضاً عدد من قادة الفصائل المتشددة القريبة من "الدولة الإسلامية" ، الذين جندتهم المخابرات الإسرائيلية منذ سنوات ، ونسقت نشاطاتهم مع الجيش الإسرائيلي في الجولان .

وإذ تعدد الصحيفة أسماء هؤلاء القادة وفصائلهم ، تقول إن مثل هذا الممارسة طبيعية بالنسبة لإسرائيل المستعدة للإتفاق مع الشيطان لضمان أمنها في المنطقة . ومع أن الأمر معيب ، لكنهم في إسرائيل يبررون مثل هذه الممارسة ، ولا يعتبرون من المعيب اللعب مع قطاع الطرق واللصوص في أية لعبة جيوبوليتيكية . ومهما حاولت إسرائيل إخفاء الوثائق وكل مايشير إلى علاقة الموساد والجيش الإسرائيلي بالجهاديين ، إلا أن السوريين والروس من خلالهم ، سوف يحصلون على معطيات مهمة كثيرة عن المشاركة الفعلية لإسرائيل في النزاع السوري الداخلي ، حسب الصحيفة .

وتقول الصحيفة بإن تصور إسرائيل الخاص بشأن مصالحها القومية يثير الدهشة بالتكتيك غير المبدئي الكفيل بتأمين هذه المصالح . وتقول الصحيفة ، أن الكثيرين ، وخاصة في أوروبا ، من المشكوك فيه أن يعجبهم تعاون نتنياهو مع تنظيمات ، تعلنها الأمم المتحدة إرهابية ، باسم المجابهة مع إيران .

إلا أن انتقاد إسرائيل والكشف عن "أسرار" انخراطها بالمقتلة السورية منذ اندلاعها ، لا يسعه إخفاء المصاعب ، التي تصطدم بها روسيا في المنطقة الآن ، وهي تحاول الحفاظ على علاقات مع إسرائيل وإيران وجميع الأطراف في المنطقة . فقد كتبت صحيفة "kommersant" بعد اللقاء في القدس مقالة حول سياسة روسيا في الشرق الأوسط ، تقول بأن ليس من المفهوم كيف يمكن لروسيا أن تأخذ بالحسبان إصرار الولايات المتحدة وإسرائيل على إبعاد إيران من سوريا، من دون أن تخسر حليفي الأمس، طهران ودمشق . وتقول الصحيفة ، أن جميع الأمور تبدو ، للوهلة الأولى ، جيدة بالنسبة لروسيا ، لكن لدى التنقيب قليلاً في العمق تبدأ المشاكل بالبروز. ولذلك يبدو جلياً أن روسيا لن تتمكن من الخروج بسهولة من سوريا ، بل من الواضح "أننا سوف نبقى طويلاً هناك " .








increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها