الخميس 2018/07/19

آخر تحديث: 11:41 (بيروت)

رسالة من أميركا:سأخون وطني

الخميس 2018/07/19
رسالة من أميركا:سأخون وطني
ترامب أخطأ في هلسنكي وحاول الاستدراك لدى عودته لواشنطن (Getty)
increase حجم الخط decrease
صادمة، ولكن ليست مفاجئة" كانت هذه هي استجابة العديد من النقّاد والسياسيين إثر التعليقات الصادمة للرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال المؤتمر الصحافي المشترك مع الرئيس الروسي فلاديمير الإثنين في هلسنكي. كانت فكرتي الأولى، أنا أيضاً. بعد أسبوع من التبديل ذهاباً وإياباً بين كأس العالم في روسيا، والتقارير حول مسار رحلة رئيسنا غير المرغوبة عبر أوروبا والمملكة المتحدة، كنت أتوقع تماماً أن أسمع التعليقات المخيفة المعتادة الصادرة عن شفاه ترامب المزمجرة.

ربما سيقول بشكل صارخ أمام بوتين إن حلف "الناتو" كان مزحة وعديم الفائدة. ربما يهين المستشارة الألمانية على طريقة "كارهي النساء" بشكل مستفز. ربما ينشر المزيد من الأكاذيب والهذيان حول النجاح في تغيير العالم بشأن لقائه مع زعيم كوريا الشمالي كيم يونغ أون.
أمرٌ وحيد كان يمكننا أن نعتمد عليه جميعاً، في كل الأحوال، هو أنه لن يقول أي شيء نقدي أو مهين بحق بوتين، كما فعل للتو عبر قمع رئيسة وزراء بريطانيا في مقابلة صحافية، حتى عندما كانت تستضيفه والسيدة الأولى ميلانيا ترامب في عشاء رسمي. كلا، ترامب يمارس المراعاة والاحترام فقط مع بوتين، الذي هو بوضوح "الرجل الأول" في حديقة الحيوانات السياسية العالمية.
لكن يوم الإثنين في هلسنكي، وبحضور فلاديمير بوتين إلى جانبه بعد اجتماع لساعتين من دون أي مساعدين أو مسؤولين أميركيين، قال ترامب إن إنكار بوتين لأي تدخل روسي في الانتخابات الأميركية عام 2016، كان جيداً بشكلٍ كافٍ له، على الرغم من النتائج "اللعينة" التي توصلت إليها وكالات الاستخبارات التابعة لحكومته الخاصة. وأضاف "لا أرى لماذا قد تكون روسيا". وبعد ثوانٍ من الصمت المذهل من قبل وسائل الإعلام العالمية، غمرت اتهامات "الخيانة" موجات الأثير والانترنت على الفور. ونقلت صحيفة "الإندبندنت" اللندنية أن موقع "Dictionary.com" غمره مستخدمو الإنترنت بمشاركة تعريفه للخيانة عبر صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بهم.
مدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق جون برينان قال بوضوح، إن فشل ترامب في هلسنكي بالاعتراف بتقارير الاستخبارات الأميركية حول التدخل الروسي، كان "خيانة" ودليلاً على "الجرائم والجنح المرتفعة". في غضون ذلك، أعلن فريد زكريا من "سي أن أن" أن كلمة "خيانة" كانت "ضعيفة جداً" لوصف تعليقات ترامب. زميله أندرسون كوبر، شارك هو أيضاً، معلناً أن أداء الرئيس في هلسنكي كان "مشيناً". حتى أن بعض حلفاء ترامب ومؤيديه في "فوكس نيوز" قالوا إن الرئيس ربما يكون قد تجاوز الحد.
وجاء قبول ترامب الفوري والسهل لإنكار بوتين لأية مشاركة روسية في الانتخابات الرئاسية لعام 2016 بعد أيام قليلة من إعلان وزارة العدل الأميركية عن توجيه الاتهام إلى 12 من عملاء الاستخبارات العسكرية الروسية، بالمشاركة في "جهد متواصل" لاختراق رسائل البريد الإلكتروني للديموقراطيين وشبكات الكمبيوتر خلال انتخابات 2016. وبينما يتجاهل ترامب ومؤيدوه تحقيق المحقق الخاص روبرت مولر ويصفونه بأنه "خدعة" و"مطاردة ساحرات"، فإن مؤسسة الاستخبارات الأميركية لا توافق على ذلك. فمدير الاستخبارات الوطنية دان كوتس قال قبل أيام، إن هناك أدلة واضحة على هجمات إلكترونية روسية مصممة للتأثير على الانتخابات الأميركية، ليس فقط في عام 2016، ولكن كذلك الآن.
عندما يفتح دونالد ترامب فمه، يمكن أن يحدث أي شيء. خلال حملته الانتخابية في عام 2016، تفاخر بأن شعبيته كانت كبيرة جداً لدرجة أنه يمكنه "إطلاق النار على شخص ما في منتصف الجادة الخامسة في مدينة نيويورك ومع ذلك سيتم انتخابه".  الثلاثاء، استخدمت صحيفة "نيويورك ديلي نيوز" على صفحتها الأولى، هذا التفاخر في رسمٍ يصور ترامب وبوتين يداً بيد بينما يمشيان على طول الجادة الخامسة. الصورة الثالثة في الرسم كانت لـ"العم سام"، الذي تلقى رصاصةً في رأسه أطلقها ترامب للتو من بندقية. صورة مروعة لأوقاتنا الصادمة، لكنها لم تعد مفاجئة.
مفاجآت وزلات ترامب وابتذالها عادة ما تثير السخرية وتزيد من كنوز البشرية الدفينة من المومياءات و"الهاشتاغ" المرح. إلا أن الصدمة تنتج شيئًا آخر: العار، والغضب، والبيانات الميلودرامية التي تفتقر إلى أي سخرية. ما يثير السخرية هو أن التيار السائد في اليسار هو الآن على الجهة نفسها مع وكالة الاستخبارات المركزية، ومكتب التحقيقات الفيدرالي، ومخابرات وزارة الدفاع، وأن العديد من التقدميين يقومون بإعادة نشر التعليقات المُدينة للسناتور الجمهوري جون ماكين من ولاية أريزونا التي قال فيها إن ترامب أعطانا "واحدة من أكثر العروض المشينة من قبل رئيس أميركي في الذاكرة". (بالطبع، هناك اليسار الآخر في الولايات المتحدة الذي يحب ويدافع عن بوتين، ولكن ليس ترامب. هؤلاء البلهاء سيكونون موضوع "رسالة من أميركا" القادمة).
هل ذهب ترامب أبعد من أنصاره المتحمسين وحلفائه في وسائل الإعلام؟. من الواضح أنه شعر بالحاجة إلى سحب بعض تعليقاته في هلسنكي، وذلك في إحاطة صحافية بهدف السيطرة على الأضرار حضرها قادة جمهوريون في الكونغرس بعد ظهر الثلاثاء. وقال ترامب إنه "أخطأ" في هلسنكي، وإنه كان يقصد أن يقول "لا أرى لماذا قد لا تكون روسيا"، بدلاً من "لا أرى لماذا قد تكون روسيا". لكنه كرر أيضاً أنه "لم يكن هناك تواطؤ". تحقيق مولر لا يزال يبحث في ذلك. ليس لدينا حتى الآن دليل على أن روسيا لم تتدخل في انتخابات عام 2016 بمعرفة كاملة وتشجيع فريق حملة ترامب. لكن بعد هلسنكي يبدو ذلك أكثر وأكثر احتمالاً.
إذن ، هل خان ترامب بلاده؟ أراهن بثقة أنه فعل. لكن الخيانة الحقيقية ليست في تصريحات وأعمال رئيسنا البائس، بل في أوساط نظامنا الديموقراطي: الانتخابات. هل يمكننا الوثوق بنتائج الانتخابات في المستقبل؟ هل كانت انتخابات 2016 فاسدة؟ هل حقا نحن الشعب لدينا أي رأي في أي شيء؟. إن قرار المحكمة العليا في حكم "المواطنون المتحدون" لعام 2010 بأن المال يساوي حرية التعبير، وبالتالي فتح أبواب مليارات الدولارات في مساهمات الحملات الانتخابية دون حدود، ناهيك عن الأعمال الغامضة التي يقوم بها المجمع الانتخابي، يضمن بأن تكون انتخاباتنا قضية كئيبة وساخرة. هذا ليس خطأ ترامب. ولكن كما قال معهد "DNI Coats" الأسبوع الماضي، فإن "أضواء التحذير الحمراء تومض بالفعل" مشيرةً إلى أن روسيا تستعد للتدخل في انتخابات التجديد النصفية للكونغرس والتأثير عليها لصالح ترامب.
نحن، الشعب، سنكون أكبر خونة لبلدنا إذا لم نتحدث بصراحة وبقوة عن هذا بصوت واحد، وأن نوقف الاتصال بالإنترنت ونخرج إلى الشوارع، ونتخذ إجراءات منسقة لمراجعة وإعادة بناء النظام الانتخابي الأميركي على كل المستويات عن طريق التخلي عن "المواطنين المتحدين" وفرض الحدود في الكونغرس. هذا سوف يتطلب العمل الشاق. نشر التعليقات الساخرة على "فايسبوك" أسهل بكثير. ليس هناك ما يضمن أن الصدمة الواسعة الانتشار حول تعليقات ترامب في هلسنكي، سوف تترجم إلى عمل فعّال في صناديق الاقتراع في تشرين الثاني/نوفمبر. هذا هو الواقع الأكثر إثارة للصدمة للجميع.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها