بعد سيطرة القوات الموالية للنظام السوري عليه الأسبوع الماضي، يبدو معبر نصيب عنواناً للمرحلة المقبلة، وكأن الاقتصاد بات بوابة التطبيع الأقوى اثر تدحرج طابتي "مكافحة الإرهاب" وعودة اللاجئين السوريين. واليوم نقرأ ونسمع التصريحات الخرافية المتتالية من الأردن ولبنان على حد سواء، في خصوص أهمية معبر نصيب لعمليات التصدير في المنطقة، بما يُمهّد لتطبيع لم ير النظام مثله منذ سنوات عديدة.
ذاك أن التطبيع عبر بوابة مكافحة الإرهاب، بقيادة رئيس جهاز الأمن القومي اللواء علي مملوك، اصطدم بجدار القضاء الأوروبي، بعدما رفع ناشطون سوريون دعاوى ضده وضد جميل الحسن، فعلت فعلها بإدانة الأخير في ألمانيا. كما دفعت الحكومة الإيطالية ثمناً سياسياً وقضائياً في الاتحاد الأوروبي لإستقبالها مملوك في روما لتبادل المعلومات الاستخباراتية معه في ملف مكافحة الإرهاب. وللدلالة على أهمية التطبيع للنظام السوري، تداولت أوساط سياسية ودبلوماسية أخباراً غير موثّقة عن تنحية مملوك والحسن، بما يُذكر بمصير اللواءين رستم غزالة وغازي كنعان بعدما شكلا عبئاً على النظام في ملف اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري.
في دور معبر نصيب، يبدو الأردن سباقاً إلى التطبيع. بمجرّد إعلان سيطرة النظام السوري على المعبر، خرج المسؤولون الأردنيون بتصريحات متتالية عن أهمية الخطوة، وانعكاساتها على الاقتصاد، سيما بعد فشل عمان في رفع عائداتها من خلال زيادة الضرائب، إذ نزل الآلاف إلى الشارع للاحتجاج. وهل هناك أفضل من الأزمة الاقتصادية مبرراً لاستئناف العلاقات الممتازة بين البلدين؟
والكلام الأردني "الإحتفالي" عن سيطرة النظام على معبر نصيب، جاء من قطاعات اقتصادية، وثم من الصحف شبه الرسمية. أول التصريحات كان لرئيس قطاع الشحن البري في الأردن محمد خير الداوود الذي رأى أن فتح معبر نصيب سينعكس إيجاباً على 17 ألف شاحنة بعد خسائر بـ1.4 مليار دولار. صحيفة "الرأي" نقلت عن أحد المسؤولين وصفه المعبر بأنه "الرئة الشمالية" للاقتصاد الأردني. ثم أدلى رئيس جمعية المصدرين الأردنيين عمر أبو وشاح بتصريح يُشبه في حقائقه إعلانات الـ"Deodorant" (مزيل العرق) التي تضرب أخماساً بأسداس، ربط فيه بين فتح الحدود وبين "انتعاش الصادرات الأردنية إلى أسواق سوريا ولبنان وتركيا وأوروبا وروسيا".
بالتأكيد سيعود المعبر بفوائد على الاقتصادين اللبناني والأردني، سيما أن لبنان فقد خط التصدير البري لمنتجاته الزراعية. لكن المعبر أغلق عام 2015 وليس بداية الحرب. وبين عامي 2011 وحتى عام 2015، انخفضت الحركة التجارية في المنطقة الحرة الأردنية-السورية من 1.4 مليار دولار الى 500 مليون دولار أميركي، وفقاً لأرقام نشرتها صحيفة "ذي فايننشال تايمز" حينها. مديرية الإحصاءات العامة في الأردن نشرت أن الصادرات الأردنية إلى سوريا انخفضت من 183 مليون دينار عام 2011 إلى 29.8 مليون دينار عام 2016، بخسارة 153 مليوناً. لكن هذه الصادرات وجدت بأغلبها أسواقاً جديدة لها، كما حصل في لبنان أيضاً، رغم أن قدرتها التنافسية انخفضت بشكل كبير.
يُضاف الى ذلك أن الحديث عن عودة الصادرات الأردنية أو غيرها الى سوريا بعد الحرب، يفترض مسألتين: أولاً أن القدرة الشرائية في سوريا ما زالت على المستوى ذاته، وثانياً أن شبكات التوزيع بقيت على حالها. عدد السكان في سوريا انخفض نتيجة موجات النزوح المتواصلة، ناهيك عن انحدار كبير في قدرته الشرائية واعتماده بشكل كبير على المساعدات الانسانية. كما تبدلت شبكات التوزيع والعلاقات التجارية، جذرياً، نظراً إلى صعود تجار جدد وطبقة اقتصادية مختلفة نوعياً عمّا سبق. وهذه من نتائج الحروب.
القضية نفسها تنسحب على لبنان. ذاك أن الحديث عن فوائد معبر نصيب على الاقتصاد اللبناني، يلجأ الى أرقام ما قبل الحرب، وهذه اشكالية لأسباب متعددة منها ما سبق ذكره عن ايجاد قسم من البضائع أسواقاً جديدة، وأيضاً لتردي العلاقات بين لبنان ودول الخليج العربي. بيد أن الانخفاض الأكبر للصادرات اللبنانية عبر الحدود السورية، كان من حصة دول الخليج العربي، وبنسبة كبيرة جداً (50% وفقاً لبعض التقديرات). لكن هل تعود الصادرات اللبنانية إلى الخليج بعد فتح معبر نصيب؟ وهل كان اعادة فتح خط النقل البري العائق الوحيد أمام استئناف الصادرات؟ ألا تؤثر التوترات السياسية على هذا القرار، وهل تستقبل دول تمنع مواطنيها من زيارة لبنان، بضائعه؟
الإجابة أكثر تعقيداً من هذه الأسئلة وأكثر. وهناك تلاعب بالأرقام أيضاً.
بكل الأحوال، هذه الأرقام المتداولة مفيدة للنظام السوري وستكون ضمن أوراقه التفاوضية قبل فتح المعبر وبعده أيضاً. بيد أن للتطبيع ثمناً ليس اقتصادياً وسياسياً فحسب، بل أيضاً أمنياً. سبق أن كشفت الأمم المتحدة عن عمليات ترحيل قسرية للاجئين سوريين في الأردن بلغت 4100 شخص، وفقاً لأرقام نشرها معهد دراسات الشرق الأوسط. وهذا الواقع يستدعي السؤال الآتي: هل تشمل عمليات التصدير الأردنية واللبنانية عبر معبري نصيب والمصنع، معارضين سوريين؟
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها