الخميس 2018/06/28

آخر تحديث: 16:25 (بيروت)

درعا والوعود الروسية

الخميس 2018/06/28
درعا والوعود الروسية
increase حجم الخط decrease

تغيرت في الأيام الأخيرة لهجة إعلام النظام الروسي التصعيدية تجاه إيران والميليشيات  الشيعية التابعة لها . وفي حين كان هذا الإعلام يعبر عن استياء روسيا وامتعاضها من أعمال القوات الإيرانية في سوريا وعدم انصياعها للمطالب الروسية بالإنسحاب من "منطقة خفض التصعيد" في الجنوب السوري ، عادت روسيا لمشاركة هذه القوات والميليشيات في الهجوم الشامل مع جيش النظام السوري على درعا والمناطق الجنوبية الغربية من سوريا .

وكان إعلام الكرملين يتباهى بالتوافقات الروسية الإسرائيلية حول هذه المنطقة، ويعتبرها "أهم انتصار" حققته الدبلوماسية الروسية خلال السنوات الثلاثين المنصرمة، وذلك لتمكنها، عبر هذه التوافقات، من احتواء الصراع الإسرائيلي الإيراني المتفجر في المنطقة. وكان هذا الإعلام يعتبر أن إيران والميليشيات الشيعية التابعة لها تعمل على تقويض هذا "الإنتصار"، من خلال رفضها للإنسحاب والإستمرار بالتواجد في هذه المناطق متخفية بلباس قوات النخبة في الجيش النظامي من الفرقة الرابعة المدرعة و"قوات النمر"، وتعميم التناقضات الروسية الإيرانية على الجيش السوري.

ليست إيران والميليشيات الشيعية هي الطرف الوحيد ، الذي يتعرض للتهجمات الروسية في الفترة  الأخيرة، التي تلت "انتصار" الغوطة ، بل لم تسلم منها جميع الأطراف المنخرطة في المقتلة السورية ، بمن فيها النظام السوري نفسه ، الذي "لم يتمكن من الخروج من منطق الدبابة والشبيحة" في معالجة المعضلات السورية ، حسب الخطاب الروسي. وتركيا هي الأخرى متهمة أضا بتدمير الدولة السورية ، حيث تعمد إلى إقامة هيئات سلطة رديفة لسلطة نظام الأسد في الأراضي التي تسيطر عليها في الشمال السوري ، حسب صحيفة "NG" الروسية منذ ايام .

وفق المنطق الروسي هذا ، تبقى روسيا وحدها ، بين "حلفائها" الألداء في المقتلة السورية ، المؤتمنة على وحدة أراضي الدولة السورية وسيادتها ، وتأمين التسوية السياسية ، التي "لا تعتمد الدبابة والشبيحة" في الخروج من هذه المقتلة .

لكن انخراط روسيا ومشاركتها النشطة في الهجوم الشامل، الذي يشنه النظام السوري على درعا والمناطق الجنوبية الغربية من سوريا يطيح بالإدعاءات الروسية هذه . ودفعت مشاركة روسيا هذه أنقرة إلى التأكيد، عبر وكالة الأنباء التركية الاربعاء المنصرم ، بأن روسيا قد خرجت من اتفاقية منطقة "خفض التوتر" في الجنوب السوري ، الأمر الذي اضطر وزارة الدفاع الروسية إلى نفيه .

وتنقل صحيفة "kommersant" الروسية المستقلة عن وزارة الخارجية الأميركية تأكيدها ، بأن المشاركة الروسية في الهجوم الراهن، الذي يشنه النظام، هي "مثال إضافي على خرق روسيا للإتفاقات" حول سوريا ، وتجاهل لتحذيرات واشنطن المتكررة حول العواقب الجدية لخرق هذه الإتفاقات حول منطقة "خفض التصعيد" في جنوب غرب سوريا . وتشير الصحيفة إلى رفض وزارة الخارجية تأكيد أو نفي صحة الرسالة ، التي قيل أن الأميركيين أبلغوها لقادة "الجيش السوري الحر" حول عدم نية الأميركيين التدخل العسكري لصد الهجوم الراهن على درعا ومناطق الجنوب السوري. لكنها تنقل عن فصيل "جيش الأبابيل" المنضوي في صفوف "الجيش السوري الحر" قوله ، بأن الرسالة المذكورة قد تم تسليمها بالفعل إلى قادة "الجيش الحر" من قبل ممثل أميركي في عمان ، وأن الصحيفة تملك في حوزتها الترجمة العربية للرسالة ، وإن كانت تشير إلى أن عدداً من المصادر يشككون في صحة هذه الرسالة .

وفي السياق عينه يتساءل موقع "RBK" الروسي المعروف ما إذا كانت المعارضة السورية قد حُرمت من الدعم الأميركي لها ويقول، بأن الهجوم الذي يشنه الجيش السوري بمساعدة الطيران الروسي على المعارضة في جنوب سوريا هو، برأي هذه المعارضة، نتيجة "توافق بين موسكو وواشنطن وتل أبيب" . وينقل الموقع عن عضو المجلس العسكري "للجيش السوري الحر" أيمن العصيمي تأكيده ، بأن المعارضة تلقت الرسالة الأميركية المذكورة ، وأنها تعتبر ، أن واشنطن أعطت موسكو الضوء الأخضر لبدء العمليات الحربية في منطقة "خفض التصعيد" ، لكن "بشرط أن لا يمس الهجوم الجزء الغربي من المنطقة ، أي الأراضي المحاذية للجولان على الحدود مع إسرائيل " . ويقول العصيمي ، أن المجموعات الشيعية الموالية لإيران تشارك في العملية إلى جانب الوحدات النظامية للجيش السوري .

وينقل الموقع عينه عن ممثل "الجيش السوري الحر" في محافظة درعا فوزي أبو العبد تأكيده على أن المعارضة السورية في الجنوب قد تلقت بالفعل رسالة من السلطات الأميركية ، إلا أنها لا تتحدث ، حسب قوله ، عن رفض الولايات المتحدة دعم الفصائل المعارضة . ونقل الموقع عنه تأكيده ، أن واشنطن أكدت للمعارضة في رسالتها أنها سوف تدعو موسكو ودمشق لعدم تطوير العمليات العسكرية ، وأن تلتزما ضبط النفس من أجل المحافظة على منطقة "خفض التصعيد" .

ويشكك العصيمي ، حسب الموقع ، في ما إذا كانت الولايات المتحدة وإسرائيل والأردن سوف يتخلون عن دعم المعارضة " خاصة إذا أخذنا بالإعتبار المخاوف المتزايدة للبلدان الثلاثة من تعزيز الوجود الإيراني في جنوب سوريا" . ويقول الرجل ، أن معركة درعا هي المعركة الأخيرة في سوريا ، والتي سوف "تشكل الأساس لبلورة التسوية السياسية من قبل اللاعبين الدوليين في سوريا" .

من جانب آخر ، ينقل الموقع المذكور عن بني بريسكين المستشار السابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قوله ، أن روسيا ليست معنية هي أيضاً بوجود قوات موالية لإيران في جنوب سوريا ، وأن إسرائيل لا تتدخل في النزاع السوري ، إلا حين ترى مخاطر من تحركات قوى موالية لإيران ، وهي لا تعتمد في هذا الأمر "لا على سوريا ولا على روسيا "، بل على نفسها.

قد يشكل الكلام ، الذي قاله أحد الكتاب السياسيين الروس الأسبوع الماضي في صحيفة "NG" الروسية، أفضل تفسير لكل ما ارتكبته وترتكبه روسيا من قتل وتدمير في سوريا . فقد قال الرجل ، أن روسيا ليست مدينة لأحد في سوريا ، وأنها تعلمت من الحرب السورية ما لم تتعلمه في كل حروبها السابقة ، من أن ليس عليها أن تسحب الكستناء من النار لصالح غيرها.


  





increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها