الثلاثاء 2018/06/26

آخر تحديث: 08:59 (بيروت)

محمد صلاح "الوطني"..خاسر

الثلاثاء 2018/06/26
محمد صلاح "الوطني"..خاسر
في مباراة مصر-السعودية، مشجع يرمي "السلام عليكم" على محمد صلاح ويطلب منه قميصه (غيتي)
increase حجم الخط decrease
آجلاً أم عاجلاً، كان للصِّدام أن يحدث. فالصعود إلى كأس العالم، فرصة ذهبية لا تتكرر كثيراً. ويصعب تصور ألا يستغلها النظام المصري بشكل أو بآخر. وشهرة محمد صلاح، نجم المنتخب الوطني، باتت من الاتساع، بحيث يأخذ كل شيء يتعلق به أبعاداً تتجاوز المحلي.

قبل المونديال، اندلعت أزمة بين اللاعب واتحاد الكرة المصري. فالاتحاد استغل صورة اللاعب الفردية في التسويق لشركة اتصالات، من دون الرجوع إليه، وهو ما أخل بتعاقد اللاعب مع شركة راعية أخرى. وتطايرت في الإعلام الموالي للدولة، اتهامات للاعب بالتفريط الوطني، وعدم الولاء. ووصل الأمر إلى تلميحات في وسائل التواصل الاجتماعي، عن انتماء صلاح لجماعة الإخوان المسلمين، قبل أن يسارع الاتحاد إلى حل الأزمة ودياً وانتهي الأمر.

وجاءت نتائج المنتخب مخيبة للآمال التي ربما تجاوزت الإمكانات الحقيقية للفريق. وحرَمت الإصابة، صلاح، من التألق، فظهر في أدنى مستوياته. أما الجمهور الذي قرر، حتى أكثر أفراده تسييساً، وضع السياسة جانباً، فوجد بدلاً من البهجة المؤقتة التي يبحث عنها، إحباطاً طاول اللعب، كما حاصره في اليومي والسياسي. وكان وصول وفد فناني الدولة، الذين يظهرون عادة في تلك المناسبات، إلى روسيا، نذير شؤم للكثيرين، وسبباً لتذكير الجميع بالسياسة، وبابتذال الفن والرياضة في خدمتها.

استيقظ محمد صلاح ليجد اسمه في بيان لمنظمة العفو الدولية، مرتبط بانتهاك حقوق الإنسان والاختفاء القسري في الشيشان، وأزعجه سيل من الانتقادات في الصحافة البريطانية بعد تكريم قديروف له. في اليوم التالي، خرجت تسريبات إعلامية بأن صلاح يفكر في عدم المشاركة مع المنتخب الوطني مستقبلاً. لا يدعي صلاح بأنه ناشط حقوقي، ولا يبدو معنياً بالسياسة. وجمهوره أيضاً، لا يتوقع ذلك، ولا يطلب منه سوى متعة اللعبة الحلوة.

لكن صلاح لديه ما يخسره، حين تُورطه إدارة المنتخب الوطني في عروض إعلامية رخيصة لغسل سمعة ديكتاتوريات هامشية، أو إرضاء غرور حكامها. وهناك ما يسيء إليه حين تصفه صحيفة "تليغراف" البريطانية بـ"أداة للبروباغندا". فشهرة صلاح لدى جمهوره الإنجليزي، ليست قائمة فقط على مهاراته الكروية، بل أيضاً على حضور شخصي وخليط من براءة وتواضع ولطف تميزت بها صورته الإعلامية حتى الآن. ليس هذا فحسب. فهتافات مشجعي فريقه، ليفربول، وتعليقات وسائل الإعلام والساسة في بريطانيا، لم تكتفِ بتقديم ظاهرة صلاح الاستثنائية بوصفه نموذجاً للمسلم "الجيد" في المجتمع البريطاني، بل طرحت أيضاً تصوراً أكثر تسامحاً لجمهور الكرة الإنجليزي، المعروف بالكثير من العنصرية.

لا يحتاج صلاح أن يكون سياسياً، حتى يكون هناك ما يخسره، بربط صورته بقديروف. فصلاح نجم، وهذا كافٍ كي يصبح لحضوره بُعد سياسي. لكن لدى صلاح أيضاً أدوات يستطيع أن يناور بها، وتعفيه من توريطات مماثلة في المستقبل. وتلميح صلاح بالانسحاب من المنتخب الوطني، يبدو رادعاً لإدارته. فالاحتراف الخارجي، والذي لطالما تم نقده بوصفه تسليعاً للاعبين وللعبة، وصورة محسنة لعولمة العبودية وتبديل الولاءات، يبدو أنه يتمتع بجوانب أخرى. فبفضله، لا يبدو صلاح تحت رحمة السياسات الداخلية في مصر، وإدارة المنتخب، وليس مضطراً للتورط سياسياً من دون إرادته، أو في ما يضر بسمعته ومستقبله الاحترافي.

انتهت حظوظ المنتخب المصري في البطولة بالفعل، وسيعود صلاح إلى ليفربول، ليستكمل التعافي من إصابته ومن التشويش الذي لحق بصورته الجماهيرية. أما البروباغندا الداخلية، فأتت بثمارها، على الأقل بالنسبة إلى بوتين، الذي نظمت بلاده البطولة. وفي مصر، ومع النتائج المتواضعة للفريق، ليس أمام الجمهور سوى العودة لمواجهة واقعة اليومي المتأزم، بعد فاصل لم يكتب لمتعته أن تستمر طويلاً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها