الثلاثاء 2018/06/19

آخر تحديث: 08:37 (بيروت)

البشمهندس رئيس حكومة

الثلاثاء 2018/06/19
البشمهندس رئيس حكومة
تحليق الطيران في سماء القاهرة احتفالاً بفوز السيسي بولاية رئاسية ثانية (غيتي)
increase حجم الخط decrease
تأكد احتفاظ كلية الهندسة بدورها في تخريج رؤساء الوزراء، بعد الإعلان عن تعيين الحكومة المصرية الجديدة قبل أيام. كل ما حدث أن المنصب تم تدويره إلى قسم آخر من أقسام الكلية لترضية الجميع. فمن قسم الهندسة المدنية في رئاسة ابراهيم محلب، إلى قسم الميكانيكا الذي تخرج منه رئيس الحكومة السابق شريف إسماعيل، وأخيراً إلى قسم العمارة الذي حصل منه رئيس الحكومة الحالي، مصطفى مدبولي، على شهادة الدكتوراه. وهذا ليس عرفاً تميزت به حكومات ما بعد ثلاثين يونيو. فالحكومة التي عينها محمد مرسي، كانت قد أنصفت شعبة الري، في قسم الأشغال العامة بالكلية، باختيار هشام قنديل رئيساً لها. أما المجلس العسكري، فربما كان ميالاً لشعبة الطرق، قسم الأشغال العامة أيضاً، حين عين عصام شرف رئيساً للوزراء. وهذا كان تغيراً محسوباً عن تفضيلات مبارك في عقده الأخير، والذي لسبب ما، فضل قسم الكهرباء، وبالأخص شعبة الاتصالات، وهو ما اتضح في إسناد مهمة الحكومة إلي أحمد نظيف. 

ورغم أن التشكيل الوزاري، الذي اكتفى بتغيير 12 وزارة من أصل 32، يبدو تغييراً وزارياً موسعاً أكثر منه حكومة جديدة، إلا أن أكثر ما يميزه هو ترسيخه لعرف الخلفية الهندسية لرؤساء الحكومة، وحسمه لتلك المنافسة مع الكليات ذات التخصصات الاقتصادية والمالية، التي جاء منها كمال الجنزوري وحازم الببلاوي، وقبلهما عاطف عبيد وعلي لطفي. ويبدو أن هذا الحسم لصالح الهندسة على حساب الاقتصاد، موفق. فمع التحول إلى اقتصاد السوق المفتوح تماماً، والذي أدار به الرئيس مبارك عملياته في عقده الأخير، وقام السيسي بتكثيفه إلى الحد الأقصى خلال الأعوام الثلاثة الماضية، فإن أولوية السياسات الاقتصادية تراجعت إلى حد كبير. وإذا كان كل شيء متروكاً لقواعد السوق، بداية من سعر الصرف، إلى أسعار الوقود والسلع الأساسية، فإن ما تبقى من السياسات الاقتصادية تتولاه لجان صندوق النقد الدولي الموكلة بمتابعة تنفيذ الحكومة المصرية لوصفة "الإصلاح" الاقتصادي.

والحقيقة أن خيار كلية الهندسة يبدو مناسباً تماماً لدور الحكومة اللاسياسي المتعارف عليه في مصر. فالموضوعات التي تتناولها الهندسة، وكما أنها الأكثر بُعداً من السياسة، فهي الأعمق تسييساً في الوقت ذاته. المسائل التقنية، والاشتراطات والقواعد ذات الطبيعة الفنية والرياضية، تضع مسافة بين الهندسة والسياسة. أما الري والإسكان والمواصلات والطاقة والزراعة والتخطيط الحضري والنقل والأشغال العامة، فهي ما تشكل الحياة اليومية للمواطنين، في أدق تفاصيلها، وبالتالي هي جوهر السياسة. وهذا تحديداً ما يسعى إليه النظام الحاكم في مصر، أي نزع السياسة عن السياسي، إلى الحد الذي أصبح معه من المعتاد أن يتم اتهام أي تعليق أو نقد لأداء الحكومة، بـ"تسييس" المسألة، أو استغلالها لأغراض "سياسية".

ورث نظام السيسي الدور اللاسياسي للحكومة من سابقيه، لكنه يبدو أكثر إخلاصاً في نزع السياسة عنها. ففي الماضي، كانت تنظيمات سياسية، بدءاً من الاتحاد الاشتراكي في عهد جمال عبدالناصر، وصولاً إلى الحزب الوطني في ولاية مبارك، تلعب أدواراً متفاوتة في تشكيل الوزارات، وتخريج أعضائها، وفي أحيان قليلة سياساتها. أما السيسي، فقد تخلى عن هذا كله، لصالح حكومة فنية خالصة، وأجهزة أمنية وإعلامية تتولى ما تبقى من السياسة.

تبقى مفاجأة التشكيل الوزاري، غير المتوقعة، هي تغيير وزيرَي الدفاع والداخلية. لكن تغيير الوزارتين السيادتين، جاء تأكيداً للأعراف الحكومية في مصر، ولم يهزها. فرغم التعديل الدستوري الذي منح دوراً للجيش في تعيين وزير الدفاع، وعلى خلاف الأحاديث المتكررة عن أجنحة داخل الجيش ومراكز قوى في وزارة الداخلية، فإن التغيير الهادئ للوزيرين عاد ليرسخ السلطة المطلقة لرئيس الجمهورية في تعيين الوزارة وأعضائها، كما كان العرف في السابق.

جاء تعيين وزير الدفاع الجديد، الفريق محمد زكي، والذي كان قائداً للحرس الجمهوري في فترة عزل مرسي وبعدها، ليؤكد مؤهلات المناصب العسكرية المكتسبة من ثلاثين يونيو، وحرب الخليج الأولى، والتي شارك فيها زكي أيضاً. أما تعيين وزير الداخلية، اللواء محمود توفيق، المنتسب لجهاز الأمن الوطني والمتمتع بخدمة طويلة في "أمن الدولة" سيء السمعة، فيؤكد على مفهوم الأمن لدى النظام الحاكم، بوصفه أمناً سياسياً في الأساس. هكذا تظل حقائب الحكومة، منزوعة السياسة، عدا وزارة الداخلية. وتبقى أعراف الحكم في مصر مستقرة، مع تعديلات طفيفة لا تمس جوهرها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها