السبت 2018/06/16

آخر تحديث: 11:55 (بيروت)

عبارات مهمّة بالألمانية

السبت 2018/06/16
عبارات مهمّة بالألمانية
increase حجم الخط decrease

في الصيف تبدأ حرب أخرى، على النازحين السوريين في بلاد الجرمان.

لم أشك لحظة واحدة منذ أن وعيت خير الدنيا وشرها، أنني طوال حياة الشقاء والأمن والاستقرار في سورية الأسد، كنت أرزح تحت جزمة الاحتلال الوطني، وأننا نحصد ما زرعه الأسد. والأمر ليس فهماً وحكمة أدعيهما، وإنما هي جِبلّة وغريزة، والناس جُبلت على حُبِ من أحسن إليها، وبغض من أساء اليها. وآيات الاحتلال كثيرة، وكنا نقرؤها في منهاج التاريخ في المدارس: أولها قانون الطوارئ والأحكام العرفية، وقانون فرّق تسد، وزيادة الضرائب، والذل الذي كان خبزاً، مع أن الشعب السوري يُجمع بأن كل أنواع الاحتلال، التي مرت على سورية، كانت أكرم من الاحتلال المقنّع بالبعث العربي الاشتراكي.

كان لكل مواطن لغة خاصة مع خاصته، هي لغة الإشارة والرمز، أما لغة النظام في حضن الوطن فلغتان، لغة المدينة الفاضلة المقاومة الممانعة الناعمة في الإعلام، ولغة خاشعة عاملة ناصبة، تصلى ناراً حامية، في ثكنات المخابرات، ولها فروع كثيرة جداً. وكانت مسلسلات الكوميديا السورية تلمّح إليها بالرقم 9999، وتوافق الرقابة على الرقم المقدس فرحاً بهذا المجاز الإلهي، وتجده مناسباً وتباركه بالرضا.

تناثرت آية اللغة بعد نزوح الشعب السوري إلى أقاصي الأرض وأدانيها، وأمسى السوري مكرهاً على تعلم لغات البلاد المضيفة، من لغة الترك إلى عجمة الأسكيمو. عاد السوري طفلاً، واجتهد في تعلم لغة العمة ميركل والمرحوم هتلر، وصار لهم معلّمون كثر، ودروس على اليوتيوب، وانتشرت طرفة تقول: إن نازحا سورياً سأل زميله بعد حصوله على شهادة مبتدئ في اللغة، وهي B1، عن العمل الذي سيعمل فيه، فقال: بث دروس اللغة الألمانية على اليوتيوب.

أصبح لهؤلاء المعلمين أنصار ومتابعون ومريدون، ومنهم كرد. ويقال: إنّ سبب تقدمهم في تعلم اللغة هو الأصل السلالي، لكن قد تجد في الألمانية ألفاظاً عربية أكثر من الألفاظ الكردية، وكانت زيغريد هونكة قد عدتها وصنفتها. في كتابها "شمس الله تسطع على الغرب". تعرّض أحد المعلمين الذين حازوا على آلاف الاعجابات، إلى مؤامرة جنائية، وبث الضحية فيلماً على اليوتيوب يطلب من معجبيه ومتابعيه أن يعذروه إذا ما رأوه في أوضاع غير حميدة، نائما مثلا. وقال إن سبب تصوير الفيلم من أصدقاء خانوه، هو الحسد والمجد والشهرة، فلأقاليم التواصل الاجتماعي عروش، ولشعوبها أئمة، ولميادينها حروب. حرب العالم القادمة سيكون سببها، إما الماء، وإما اللايكات.

يميل طالبو الجوار الألماني إلى الحكم بصعوبة الألمانية. جميع المعلّمين يخاطبون بخطاب التفخيم والأدب: أستاذ. دعي أحد هؤلاء المعلمين الأفاضل إلى عرس، فكان نجم العرس، وخطف الأضواء من العريس وقيل إن العريس خاف أن يخطف العروس أيضا. شبّه أحد المعلمين اللغة الألمانية بعلم المثلثات في الرياضيات، وهو وصف لا يخلو من الصحة. اللغة الألمانية لغة تميل إلى استعمال "الإكسسوار"، واللواحق والسوابق على نقيض العربية، ويمكن فهم الشخصية العربية من خلال لغته، التي تنحو نحو النمو الذاتي والتكاثر، كل كلمة شجرة من الأغصان والثمار والأزهار. أما أس اللغة الألمانية الأول فهو معرفة أدوات التأنيث والتذكير. لا بد من كشف عورة الكلمة قبل بناء الجملة أو البناء عليها.

يجد طالب اللغة الألمانية ركناً طريفاً في لجج اليوتيوب، يذكّر بركن الفتاوى، عنوانه: اسألني، فإنَّـهُ الرُّكْنُ إنْ خانَتْـكَ أركـانُ، يردّ فيه المعلم، الذي هاجر إلى ألمانيا باكراً، وهو صغير، في عمر شادي  الذي كان يلعب عسكر في أغنية فيروز، لكن لعبة العسكر مذمومة في ألمانيا، وتعلَّم الألمانية وأدرك أسرارها، وكان يعود إلى الشام، فلم ينسَ العربية، وهذا الركن يتقاطر إليه النازحون، فتكثر الأسئلة التي تردُ إلى المعلم بلغة مؤدبة، لكن أكثرها مصاب بالفحولة: أستاذ كيف نقول بالألمانية: "دخيل الله على الجمال"، فينقل المعلم الجملة بمركبات الحروف، وسفن التعبير، إلى سواحل  اللغة الألمانية، فتخسر كثيراً من قيمتها وشرفها وظرفها أثناء الرحلة الطويلة في البحار والغابات. ويسأل ثان عن ترجمة جملة: "واصلة لمناخيري"، فيرد عليه بعبارة موازية بالألمانية، ويقول: إن هذه العبارة سوقية في ألمانيا. ويفتح له باباً بديلاً من أبواب القول الكريم، ويسأل ثالث عن تعبير "الفئران تلعب في عبي"، أو كيف يقول المرء "اطلع من هذه الأبواب"، أو "لا تحط راسك برأسي"، أو "أنا من ضيّع في الأوهام عمره"، أو جملة غزلية مثل: "ليتك تدبكي على قبري".. فيجد الأستاذ تعبيراً بديلاً، في سوق صناعة الكلام، ويحذّر السائل المقبور في نيران الرغبة، بأن هذا التعبير لا يجوز في اللغة الألمانية.

أمس بدأ الصيف، وتعالت صيحات هنود حمر بين السوريين فرحاً به، أو وجلاً من بطشه. الصيف أبو الفقراء، لكنه خصيم العشاق الأتقياء المحرومين. في الصيف تبدأ حرب القوارير الألمانيات على وحيدي القرن السوريين، والسوري مثل أي عربي، يعيش من أجل قرنه الوحيد، وهي حرب شاقة وصعبة، دونها خرط القتاد، ففي الصيف تتخفف الألمانيات من الثياب، وتمتشقن سيوفهن من الأغماد، ويصرن شبه عاريات. هذا سؤال ورد من صائم يقول: أستاذ كيف نقول: "اللهم بلّغنا شوال"، معه حق.. فالحياة هنا صعبة، يقول إنه لا يشكو من جوع أو عطش ما فوق الزنار، وإنما من الهوى ونار الجوى. أستاذ كيف نقول: يا هُمّ لا لي، أو: بدي أخلّي موائكِ يصل لقبرص، ويبدو أن عواء الأخير قد وصل إلى قبرص من كيدهن، إنّ فتنتهن عظيمة.

طالب يسأل: كيف سيقول، وقد ناحت بقربه حمامة: سحرتني بعينيك وأسرت قلبي، وحرام أن أموت تحت التعذيب.

عدنا أطفالاً مثل شادي لكن في رمضاء طويلة، وكانت لعبة العسكر دامية، إلى الحد الذي بذلنا الأرواح في سبيل الوصول إلى بلاد الاستعمار الجميلة، هربا من حضن الوطن.

بالأمس القريب، بدلأ من أن يجعل عراقي صبية ألمانية تدبّك على قبره، قتلها ودفنها في الغابة. ولا تمضي أيام من  غير سماع أخبار عن نواح الحمام في ألمانيا طولآ وعرضا، يصل فيها عواء الوافدين، عربا وتركا وأفغان إلى قبرص.

جريمة الوافد في وطنه فردية، عادةً هي في المهاجر جريمة عامة، أما رؤساء العرب فطغاة يكافحون الإرهاب.



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب