الجمعة 2018/06/15

آخر تحديث: 14:22 (بيروت)

“الأحباش”: قوة عابرة للحدود

الجمعة 2018/06/15
“الأحباش”: قوة عابرة للحدود
increase حجم الخط decrease

كانت مفاجأة انتخابات عام 2018، الفوز المدوي لمرشح “جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية” (المعروفة بـ”الأحباش”) عدنان طرابلسي في انتخابات بيروت، إذ حل ثانياً في العاصمة اللبنانية بـ13 ألف صوت تفضيلي. وفقاً لهذه النتيجة، بإمكان هذه الجماعة المتحالفة مع “حزب الله” والنظام السوري، الحصول على مقعد ثانٍ في بيروت، وربما ثالث في طرابلس حيث اقترب المرشح طه ناجي كثيراً من الفوز، وهو يطعن حالياً في النتيجة لانتزاع حاصل من تيار “المستقبل”.

ومفاجأة ”الأحباش” الكبرى أنهم حققوا نتائج عالية جداً (الأعلى سُنّياً) في انتخابات المغتربين، ذاك أن نشاطهم خارج البلاد وفي نواحٍ بعيدة من العالم أكثر اتساعاً وضجة، وذات أهمية لا تملكها الجمعية في لبنان حيث الحلفاء أقوى وأكثر نفوذاً. بيد أن هذه الجماعة تحمل في جعبتها كل أسرار النجاح الديني والتنظيمي والسياسي. تنظيمياً، “المشاريع” أو “الأحباش” هم “حزب الله”، مع ولاية فقيه ترص الصفوف وشبكة رعاية اجتماعية ومؤسسات تربوية وتثقيفية وشبابية. لكنهم، وعلى عكس “حزب الله”، ليسوا حركة مقاومة مرتبطة بمحور اقليمي يخوض حرباً وجودية، بل هم العكس تماماً. لا يخوضون حروباً أو عنفاً مثل “حزب الله”، وبالتالي لا يدفعون أثماناً في الاستحقاقات الكبرى، إلا عرضاً مثل اغتيال زعيمهم في التسعينات، بل يحصدون فوائد الموالاة بانتظام في زمن السلم. وهم أيضاً أصدقاء رجال الأعمال الذين يعون جيداً بأن رأس المال يركب الموج الكبير ولا يرتطم به. ليسوا على قوائم الارهاب، ولا العنف، ولذا لهم ثقل في ولايات أميركية وكندية ودول أوروبية وكل نواحي الاغتراب اللبناني وأبعد.

في بدايات عهد الوصاية السورية، حملت هذه الجماعة وصفة سحرية. إنها معادية لجماعة “الإخوان” بكافة فروعها، أي الجماعة الاسلامية في لبنان، وأيضاً الوهابية والسلفية. كانوا يحتفلون بالذكرى التصحيحية وعيد الجيشين اللبناني والسوري، مثلهما مثل المولد النبوي والإسراء والمعراج في الخطابات واللافتات. وربما أسعف هذه الجماعة أن مؤسسها لم يكن لبنانياً أو حتى عربياً، بل داعية أثيوبياً لامعاً يُدعى الشيخ عبد الله الهرري، وهو بقي حتى وفاته محجوباً عن الإعلام والسياسة. رغم أن المؤسس اثيوبي، كانت قيادة هذه الجماعة لبنانية خالصة. وبعد عُزلة “الأحباش” سياسياً واعلامياً في أعقاب اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، يبدو أنها ركزت أكثر على نفسها تنظيمياً، وعلى انتشارها خارج البلاد، في ظل انسداد الأفق لبنانياً وسط الاحتقان السُنّي-الشيعي.

بالتزامن مع ثورات “الربيع العربي”، لعب “الأحباش” دوراً خارج الحدود اللبنانية، لم ترصده وسائل الاعلام اللبنانية لانشغالها بأحداث المنطقة، سيما الجوار السوري. وسط قلق من التمدد السلفي، قررت الحكومة الاثيوبية تبني “الأحباش” وتسليمهم مرافق دينية لابعاد شبح التطرف وربما تطويع الأقلية المسلمة الكبيرة في البلاد (تتراوح نسبتها بين الثلث وما يُقارب النصف من أكثر من 80 مليوناً). كما أن اثيوبيا، ونظراً الى تدخلها العسكري، الى جانب الولايات المتحدة، في الصومال المجاور، شعرت بقلق حيال احتمالات وقوع اضطرابات كامتداد للربيع العربي. رئيس الوزراء حينها ملس زيناوي رأى في “الأحباش” إسلاماً اثيوبياً معتدلاً يُساعد في تطويع أقلية سكانية ضخمة عددياً.  لكن الأثر الأثيوبي اليتيم كان في اسم المؤسس وأعماله، ولا مناص من التدخل اللبناني المباشر. لذا بدأ مشايخ “الأحباش” اللبنانيين يتوافدون الى أثيوبيا ويتسلمون المرفق تلو الآخر، حتى بدأت ردود فعل شعبية ضد هذه السياسة الحكومية. هم لبنانيون يتسلمون زمام الشؤون الروحية لكُتلة سكانية أكبر بأضعاف عديدة من سُنّة لبنان.

تظاهر مئات الآلاف من الأثيوبيين المسلمين، وبات “الأحباش” إسماً في شرق افريقيا وأيضاً في الأوساط الأكاديمية والاعلامية الغربية. بعد الاحتجاجات، وتحديداً في 17 نيسان (أبريل) عام 2012،  اتهم زيناوي في خطاب أمام البرلمان “السلفيين” بالوقوف وراء الاحتجاجات، وبالتخطيط لإقامة دولة اسلامية. لكنه أقر بأن مسؤولين حكوميين كبار عقدوا اجتماعات لمناقشة خطط لتثقيف الناس في خصوص حكم القانون.  كان هذا الخطاب الأخير لزيناوي، إذ توفي لاحقاً، لكن منذ ذلك الحين تأسست حالة عريضة لجمعية المشاريع في أثيوبيا، بالتزامن مع تضييق بحق الجماعات والتيارات الأخرى على خطى الحرب على الإرهاب.

والمفارقة أن اثيوبيا هنا حليفة أساسية للولايات المتحدة في شرق افريقيا، فيما النظام السوري متحالف مع روسيا وايران. كل هذا الحديث بالسياسة والتحالفات غير مهم. المهم أن مظلة السلطة مهما كان لونها، تضمن الانتشار والتمدد. لكن السؤال هنا في لبنان، يرتبط بكيفية انعكاس هذا الانتشار الناجح في الخارج، على الحظوظ السياسية للمشاريع وطموحاتها. أليس لهذا الامتداد نفوذ خفي، تماماً كما حصل مع شبكة فتح الله غولن على مدى عقود؟ إنها شبكة تتمدد، ولا بد أن نراها لاعباً على الساحة اللبنانية أكبر من نائب أو اثنين.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها