الأحد 2018/05/06

آخر تحديث: 09:25 (بيروت)

الإخوان والنظام:المصالحة قائمة بالفعل!

الأحد 2018/05/06
increase حجم الخط decrease

تقول الأسطورة: النظام يريد التصالح مع الإخوان، والإخوان بين رافض، وموافق ولكن بشروط، ثم يسرد لك الراوي هذه الشروط، شروط الإخوان، التي يشترطونها على النظام العسكري، ليوافقوا على المصالحة معه ... إي والله ..


ما قرأته الآن ليس فصلا في "هالو شلبي" حيث يُؤْمِن العم مدبولي العظيم أن الضحك للضحك، وأنه لا يلزم الكوميديان أن يقدم نصا هادفا فالضحك في ذاته هدف وقيمة، إنما هو الكلام الذي يدور في دكاكين التوك شو هذه الأيام، والسؤال الجاد في الموضع العبث: لماذا يتصالح النظام مع الإخوان؟ وما الذي يدفعه أو بالأحرى يجبره على ذلك؟ الإخوان لا يشكلون أي خطر من أي نوع، ليسوا في الشارع، لا يمارسون العنف، (ولا السلم)، ادعاءات النظام وإعلامه بأن الإخوان هم وراء ما يحدث في سيناء كلام فارغ للاستهلاك المحلي، يعرفون جيدا أنه غير حقيقي، الإخوان في السجون، وإخوان الخارج أقل فاعلية من المعتقلين أنفسهم، لا يشكلون أي ورقة ضغط من أي نوع، لا يقومون بأي نشاط دولي يحاصر النظام أو يحرجه أو يكشف ممارساته القمعية أو يرفع من كلفة استبداده، على العكس تماما، نشاطات الإخوان في الخارج وأبرزها قنواتهم الفضائية فرصة حقيقية للنظام المصري ليثبت لخصومه قبل مؤيديه صحة مزاعمه بشأنهم، فأين هي ورقة الضغط التي يملكها الإخوان لكي يتسنى لهم أن يحلموا بمصالحة، أو يروجوا لإمكانية حدوثها، فضلا عن أن يفرضوا شروطهم، شروط المهزوم على المنتصر كي يقبل الأخير ويصالح؟!


ولو سلمنا جدلا أن النظام المصري الذي احتكر المجال العام (والخاص)، وجرف الحياة السياسية، واعتقل وقتل وشرد وأغلق القنوات والجرائد وحجب المواقع الالكترونية، وحاصر كل ذي رأي مختلف ولو كان من أخلص رجاله كي لا يعلو صوت فوق صوت "القائد"، المنقذ، الملهم، لو سلمنا جدلا أن نظاما بهذا الشكل قرر التصالح المجاني مع خصومه، وحجة وجوده واستمراره وتبريره الدائم والأبدي لكل إخفاقاته، فهل يقبل الإخوان؟ هل إخوان الخارج تحديدا يسعون لإنجاز أي مصالحة أو أي خطوة سياسية من شأنها أن تعيدهم إلى مصر؟


إن واقع حال الإخوان في الخارج، قياداتهم، ونخبهم، أصحاب القرار، من دون الشباب، بطبيعة الحال، يشهد بنية عدم العودة، لعدم الرغبة، خذ مثلا: بلد مثل تركيا، اسطنبول، حيث يملك الإخوان عشرات القنوات والمراكز البحثية ودكاكين السياسة التي تتلقى الدعم بحجة القضية ومقاومة الانقلاب العسكري، القنوات - على سبيل المثال - يشغلها الإخوان بإمكانات ما قبل اختراع الراديو، لا يشاهدها المصريون، ولا يتابعونها، ولا تؤثر فيهم، لكن مشاهداتها محجوزة من قبل الإسلاميين المقتنعين بكل كلمة بالفعل، ومن قبل أن يشاهدوا أو يسمعوا شيئا، وبالتالي الملايين يتابعونها، معادلة قد تبدو في ظاهرها غريبة ومتناقضة إلا أن هذا هو واقع الحال منذ زمن، فإعلام الإخوان حتى فترة ما قبل الثورة هو إعلامهم وحدهم، يشتريه الملايين ولا يقرؤه أو يتأثر به أحد، وكذلك فنونهم أو ما يعتبرونه فنونا، مدارسهم، محلاتهم، عباراتهم، نكاتهم، ابتساماتهم، سمتهم العام، كل شيء، له وجود وحضور يخصهم، وغياب كامل عن عموم المصريين، ولذلك كانت العلاقة بينهم وبين الشارع دائما ليست علاقة تواصل وذوبان وتفهم يدفع المصريين إلى الصناديق وقت اللزوم، إنما هي علاقة تطبيع مع الشارع - بتعبير الباحث عبد الله الطحاوي - سرعان ما تلاشت وسقطت تماما أمام أول اختبار حقيقي..


إن المكاسب التي يجنيها إخوان الخارج، المادية والأدبية من وراء التدثر بقضية الشرعية الموهومة التي خدعوا بها آلاف الضائعين، وجنوا من ورائها الملايين، لا يدفعهم إلى التفكير في عودة إلى بلد لم يكن لهم فيها نصف ما يتمتعون به الآن، خاصة أن أغلبهم دعم وجوده القانوني بالحصول على الجنسية والاستثمار داخل البلد كواحد من أهلها الأمر الذي يضمن استمرار "اليغمة" حال إغلاق هذه القنوات ومراكز تلقي الدعم لأي سبب كان، أما الشهداء والمعتقلون والمشردون والقصاص والشرعية، وهذه اللافتات الكبيرة فهي لشبابهم وقواعدهم الذين ذاقوا مرارة التجربة وقسوتها مرتين، مرة في رابعة على أيدي عساكر السيسي، وأخرى في مذابح المنفى على أيدي نخب الجماعة، والأخيرة، طبعا، "بما لا يخالف شرع الله"!


لقد تصالح الإخوان والنظام على أن يوفر كل منهما مبرر وجود الآخر واستمراره وتمتعه بمزاياه غير المسبوقة، ولا عزاء لمن دفعوا الثمن، وما زالوا يدفعون ...

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها