الجمعة 2018/06/01

آخر تحديث: 00:44 (بيروت)

لبنان في المؤشر العربي

الجمعة 2018/06/01
لبنان في المؤشر العربي
increase حجم الخط decrease

منذ ايام قليلة اطلق في بيروت تقرير المؤشر العربي 2017/2018 الذي نفذ في 11 بلدا عربيا من ضمنها لبنان. وقد بنيت النتائج ان اللبنانيين يقيمون بشكل سلبي الاوضاع الاقتصادية التي يعتبرونها سيئة جدا او سيئة بنسبة 90%، والوضع السياسي بنسبة 88%، ونسبة 83% يعتبرون ان الحكومة غير جدية في معالجة المشكلات. ويلخص الجدول الوارد في المؤشر بعض هذه الاراء التي يغلب عليها الطابع السلبي والتي تطال ايضا عدم الشعور بالامان، وعدم الثقة بالحكومة والبرلمان.

ولدى السؤال عن أهم مشكلة يواجهها لبنان، فقط 4% اجابوا انها مشكلة اللاجئين، في حين حصلت المشكلات المتصلة بالوضع الاقتصادي والمعيشي 48%.

مناسبة هذا الكلام هو الكلام الصادر مؤخرا عن غبطة البطريرك في فرنسا عن مشكلة اللاجئين السوريين في لبنان، الذي يستند على ما يبدو الى معطيات مغلوطة منقولة اليه، سواء ما يتعلق بتأثير ازمة اللجوء السوري، او ما يتعلق بحقيقة موقف الرأي العام اللبناني ازاء الموضوع.

وثمة نقاط تستوقف في هذه الحملة القديمة المتجددة التي خفتت في المراحل الاولى من الحملات الانتخابية لتعود الى البروز بقوة مع خطاب وزير الخارجية في مؤتمر المغتربين اللبنانيين في باريس عقب اجتماع سيدر واحد. التوظيف الانتخابي كان واضحا في حينه اذ ان الحملات الانتخابية التي ركزت على الفساد والاصلاح لم تنجح في تعبئة الناخبين، فكان لا بد من استخدام الاسلحة الثقيلة واثارة موضوع توطين السوريين والفلسطينيين بصفته خطرا اكيدا يحدق لبنان لتحريض الجمهور على التصويت. الا ان المشاركة الضعيفة التي لم يتوقعها احد تثبت فشل هذا الخطاب ايضا وعدم شعبيته، ومع ذلك تستمر الحملة بشكل ممنهج وفي كل مناسبة للتحريض ونشر خطاب الكراهية ضد اللاجئين السوريين بدءا من الحملة على مؤتمر بروكسل وصولا الى المخاوف الجديدة المرتبطة بالقانون رقم عشرة الصادر عن النظام السوري.

في موضوع القانون رقم عشرة ثمة مخاوف حقيقية، ولكن ما يحصل هو استخدام ذلك للضغط على الضحية والدعوة للتعاون مع الجهة التي اصدرت القانون، بالترافق مع كل عدة التحريض والتضليل المصاحبة. والسؤال هنا هل لهذه الحملة اسباب واعتبارات داخلية وتتم بمبادرة ذاتية من اصحابها، ام انها مهمة تندرج في اطار توزيع ادوار اقليمي مترافق مع التطورات التي تحصل في سوريا. من ناحية اخرى، وفي ما يرتبط بالسياسة الخارجية اللبنانية، يجب التنبه الى التغير الجذري في الخطاب اللبناني الرسمي الذي طالما كان يفاخر بانتسابه الى المجتمع الدولي، وبمساهمته المباشرة في تأسيس الامم المتحدة وصياغة شرعة حقوق الانسان والالتزام بالقانون الدولي، فإذا بالخطاب الرسمي يتحول الى تهجم – غير علمي بالمناسبة – على المنظومة الدولية وعلى مضامين حقوق الانسان، ويجري تصوير ذلك بانه بطولة وشجاعة. فمتى كان التهجم الساذج على القانون الدولي الذي وضع لتنظيم العلاقات الدولية بعد حربين عالميتين مدمرتين ويتمثل احد اهدافه الرئيسية في في حماية الدول الضعيفة الى مدعاة للتهكم والسخرية من قبل الدبلوماسة اللبنانية؟

ان لسان حال اصحاب هذه الحملات يبدو على النحو التالي: تفاوضوا مع النظام السوري فورا، ولنطرد اللاجئين السوريين من لبنان الى داخل سوريا، لا الى اماكن اقامتهم الاصلية بل الى اي مكان كان. واذا كان القانون رقم عشرة يعيق ذلك، فإن منطق هذه الحملات ليس في الغاء القانون الذي ينزع ملكية اللاجئين ويشردهم بشكل نهائي  ويقوم بتغيير ديموغرافي طائفي، فهذه كلها شؤون لا تهم لبنان اذا ما توفر نقل اللاجئين منه الى اماكن اخرى ايا كانت. وهذا موقف مخالف لأبسط قواعد الانسانية وللأتفاقيات الدولية. كما ان اصحاب هذه الحملات يتصرفون كأن اعادة اللاجئين الى سوريا شأن لبناني غير مرتبط بالحل السياسي هناك. وفي هذا ادعاء فاضح يخفي واقع ان هذه المواقف مطلوبة اقليميا ولا علاقة لها بوهم الاستقلالية والقوة.


في الشأن الداخلي، يجب على اصحاب هذه الحملات التنبه الى ان خطاب الكراهية الذي يبثونه وتتناقله وسائل الاعلام هو بمثابة التحريض على الاخلال بالسلم الاجتماعي الداخلي، مع امكانية الاخلال بالأمن ايضا. وغريب هذا السكوت المريب من الاصوات العاقلة ازاء هذا التحريض، وغريب سكوت الاطراف السياسية عن ذلك وهي تدرك خطورته بالتأكيد. فهل ان الشعبوية باتت الموقف الوحيد الممكن، وكلما اثار طرف ما مشكلة التوطين واللاجئين وتحميلهم مسؤولية الازمات اللبنانية وتدهور الاوضاع، سكت الجميع وتم تغييب خطاب العقل والمنطق؟

حسنا، لنفرض حسن النية ونطرح وجهة نظر اخرى: ان الضرر الاكبر الذي لحق بلبنان هو من جراء الازمة السورية نفسها التي عطلت الاقتصاد والتجارة والسياحة وعطلت امكانية التوصل الى تسويات سياسية داخلية، وعطلت المؤسسات...الخ. هذه من نتائج الازمة السورية لا من نتائج لجوء مليون سوري الى لبنان. وبعيدا عن الشعبوية المشحونة بالكراهية، فإن المحصلة الاجمالية لوجود اللاجئين السوريين في لبنان ايجابية اقتصاديا، لانه السبب في عدم التحول الى نمو سلبي، ولأنه السبب في تدفق التمويل الذي يبقي عجلة الاستهلاك دائرة، ولأنه يزود المؤسسات اللبنانية باليد العاملة  الرخيصة التي تستغل الى الحد الاقصى، والتي لولاها لتوقفت معظم المؤسسات الصغيرة عن العمل. والغريب اننا لا نسمع صوت هؤلاء وصوت اصحاب الاراضي والمزارعين الذي يستفيدون من العمالة السورية لكبح خطاب الكراهية، وليضعوا النقاط على الحروف في ضرورة التعامل العلمي والموضوعي مع هذه الازمة لمصلحة لبنان ولمصلحة اللاجئين السوريين معا.

خلافا لكل اعتقاد مخالف، ان اغلبية اللبنانيين لا يؤيدون هذا الخطاب الذي لا يخلو من العنصرية، مع ذلك فإن هذه الاقلية الكارهة لحقوق الانسان والقانون الدولي، قادرة على الاضرار الجسيم بالسلم الاجتماعي رغم انها اقلية، طالما استمر السكوت عن الحق.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها