الأحد 2018/04/01

آخر تحديث: 10:02 (بيروت)

ديكتاتورية بنكهة الصندوق!

الأحد 2018/04/01
increase حجم الخط decrease

ما حدث هو انتخابات، لا مؤاخذة، صندوق، وناخبون وناخبات، وحبر فسفوري، وتصويت بسيسي أو بموسى أو بسب الدين لكليهما، وإبطال الصوت، قبض السيسي على كل منافسيه وأودعهم السجون، واختار شخصاً ما "هزؤ" ليلعب دور المنافس، وحشدت أجهزته وإعلامه بطرق كوميدية، لكن بالأخير، جاء المواطن إلى اللجنة وأدلى بصوته وخرجت نتائج الفرز باسم الفائز، اجراءاتهم سليمة ونتائجهم سليمة والأصوات في مجملها حقيقي، فهل هذه هي الديموقراطية؟

إجابة السيسي: لا، إجابة الإسلاميين: نعم!

السيسي في أكثر من مناسبة تحدث عن أن المصريين غير مؤهلين للفكر الأوروبي، ديموقراطية، وحقوق إنسان، وكلام فارغ، كلمني عن الحق في الأكل، والشرب، والتعليم، والصرف الصحي، الرجل - إن جاز التعبير - صريح، فاشيست، يربي دواجن في حظيرة، ويهتم بعلفهم لا بحريتهم، ولذلك فالانتخابات تسديد خانات، "عشان الناس ما تاكلش وشنا"، "نيش" العرس الديموقراطي، طقم صيني يرص للفرجة الخواجاتي لا للاستعمال الآدمي، السيسي كذلك، وأنصاره كذلك، وعلى المتضرر اللجوء لبلاد الديموقراطية البيضاء، التي لا يحق للرجل الأسمر استيرادها وحسبه منها الشكل والمنظر لزوم تسليك المصالح دون صخب حقوقي ...

أما الإسلاميون، الإخوان تحديدا، المنافس التقليدي، للنظام العسكري في مصر، فيتعاملون مع الديموقراطية بالمنطق نفسه، ولكن بشكل أقل وقاحة، ربما يساعدهم عليه إجادتهم للعبة الصندوق، فالديموقراطية ليست فلسفة حياة ومبادئ عامة، وحقوق قبل تصويتية وفوق دستورية تتعلق بالحريات والمساواة وتقليل سطوة الدولة على حياة الفرد وتوسيع دائرة المشاركة الاجتماعية في إدارة المجال العام، إنما الديموقراطية هي فقط الصندوق ومن يحسم به فله أن يتحكم بكل شيء ويستأثر بالعام والخاص، ويعيد تشكيل الدين والدنيا، ويتحكم في حياة المواطن من المأكل والمشرب إلى الذوق العام والأزياء، وذلك إلى أن ينتهي صك العبودية بعد أربع سنوات فيعاد تجديده أو يذهب لآخر وعلى المتضرر تأسيس حزب سياسي والمنافسة على الحكم!

ما الفارق؟.. كلاهما يتحايل على الهدف من وراء الديموقراطية، بوصفها فرصة لمشاركة المجتمع في تحديد مصيره، والانتصار لحق الفرد في حياة يختارها ولا تفرض عليه تحت دعاوى دينية أو وطنية تخصم منه لتضيف في الظاهر إلى رصيد المجموع فيما هي واقعا تخصم من الجميع لتضيف إلى اللا أحد!!

يتصور الإسلاميون أن التهوين من فكرة الصندوق يفرش الطريق أمام عودة الديكتاتوريات العسكرية، وأن الالتجاء إلى أحكام الصندوق ونتائجه أفضل من الحكم بقوة السلاح، حتى لو انطوت بدورها على ديكتاتورية مقنعة، والحق أن التهوين من حقوق الفرد والمجتمع في حياة ديموقراطية سليمة، اجتماعيا قبل سياسيا، وفي مجال عام مفتوح، ومجتمع يتنفس بألف رئة، وحده الذي يجعل من بلادنا بيئة مناسبة لتكاثر فيروسات الديكتاتوريات والفاشيات...

إن الانسداد السياسي الذي يسببه دخول العسكر في لعبة السياسة هو ذاته الذي تسببت فيه جماعة الإخوان حين تصدرت بكل ثقلها في حياة سياسية وليدة كانت تحتاج إلى المزيد من الوقت لإنضاج تجاربها المختلفة والمتنوعة بعد الثورة وبناء حياة سياسية حقيقية، إلا أن التعامل مع "القيمة" بوصفها "مطية" الصعود على ظهر الدولة هو ما أنتج بالأخير مواطناً يصوت لك في يناير ويرقص في الميادين ابتهاجا بالانقلاب عليك في يوليو، فالقضية لا تستحق عناء الدفاع عنها، ما دامت النتائج هي النتائج ...

قد لا يكون صندوق السيسي هو صندوق مرسي، تختلف التفاصيل، ويكمن فيها كل ما يحتاجه منتجو الكربلائيات التوكشوهية من حجج وبراهين على شيطانية الأول وملائكية الثاني، لا بأس، إلا أن لكل منهما بالأخير منطقه الصندوقي، الذي وصل بنا إلى ما نحن فيه، والذي لن يخرجنا منه، على الأرجح، إلا التفكير خارج الصندوق!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها