الجمعة 2018/12/21

آخر تحديث: 13:49 (بيروت)

الأوركسترا الإيرانية تعزف في لبنان

الجمعة 2018/12/21
الأوركسترا الإيرانية تعزف في لبنان
increase حجم الخط decrease
رافقت الأنباء السعيدة عن تشكيل الحكومة اللبنانية، موجة تحليل في الإعلام، تُبعد العامل الخارجي، بل تُحيل الانفراجة إلى تدخل سياسي لبناني أو شخصية أمنية أعادت الأمور إلى نصابها. لكن، لنتمهل قليلاً، لأن العامل الخارجي يطل برأسه عند تفقد مسألتين: السياق الإقليمي والإخراج المحلي الهزيل.

إقليمياً، ومنذ إقرار العقوبات الأميركية في أيار (مايو) وتشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، تنتظر إيران الآلية الأوروبية الخاصة لتسهيل التعاملات التجارية بين إيران وشركات أوروبية ودولية. بعد موجة العقوبات الأميركية الأولى والتلويح بما سيأتي والآثار المترتبة على إيران، خرج الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله بموقف واضح وصريح خصَّصَ له موعداً مميزاً هو خطاب يوم العاشر من محرم في أيلول (سبتمبر) الماضي.

"من واجبنا اليوم أن نقف إلى جانب الجمهورية الاسلامية في ايران حيث سندخل بعد أسابيع قليلة الى استحقاق بدء تنفيذ العقوبات الاميركية"، أكد نصر الله. وهذا الواجب ينبع من أن "الإدارة الأميركية تسعى إلى محاصرة الجمهورية الإسلامية وتضغط على الدول لتمنع تصدير النفط الإيراني، وإيران تُحاصَر لتمسكها بإسلامها ولأنها ترفض أن تخضع للأميركي، وترفض أن يسرق أحد خيراتها وثرواتها". وبما أن "ايران تُحاسب بسبب وقوفها إلى جانب الشعوب المستضعفة وتقف الى جانب الشعب الفلسطيني واللبناني، علينا الوقوف الى جانب إيران سياسياً وشعبياً ومعنوياً في مواجهة الحصار والعقوبات والضغط".

لم يكن هذا الكلام عبثاً. وينفع التساؤل كيف أدى "حزب الله" هذا "الواجب" بالوقوف إلى جانب إيران في مواجهة العقوبات؟

خلال الشهور القليلة الماضية، تصاعدت الضغوط الإيرانية على أوروبا لاستعجال تشكيل الآلية الخاصة المعروفة باللغة الانكليزية بـ"Special Purpose Vehicle". شكت إيران التأخير الأوروبي على لسان مسؤولين كان آخرهم رئيس الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية علي أكبر صالحي والرئيس الإيراني حسن روحاني. صالحي حذر من أن صبر إيران على تأخير أوروبا بإجراءاتها بدأ ينفد. لكن كلام روحاني كان أكثر قسوة، وهدد فيه بفيضان من المخدرات والإرهابيين واللاجئين.

والحقيقة أن كلام روحاني سبقته موجة لجوء بالآلاف من إيران ولبنان باتجاه أوروبا. من لبنان، بدأنا نسمع بمراكب لاجئين إما تغرق أو تُنقذ أو تصل قبرص، رغم أن الشواطئ اللبنانية لم تُشارك نظيراتها التركية في ذروة الهجرة عام 2015. أيضاً، وبسحر ساحر، هاجر آلاف الفلسطينيين من لبنان باتجاه أوروبا، جواً وبحراً.

في موازاة الخط اللبناني، كشفك وسائل الإعلام البريطانية خلال الأسابيع الماضية عن استغلال حوالى 40 ألف إيراني، إلغاء التأشيرة بين ايران وصربيا، للتسلل إلى أوروبا، وإلى بريطانيا تحديداً. اجتاز آلاف الايرانيين الحدود البحرية بين فرنسا وبريطانيا لتقديم اللجوء السياسي، ما أثار موجة قلق أوروبية. هذه جُرعة أولية مما سيأتي لو أُصيبت إيران بمقتل نتيجة العقوبات.

هل إن تزامن هاتين الموجتين والتهديد الإيراني باللاجئين هو محض صُدفة؟

أي تفكّر بأوراق الضغط الإيرانية على أوروبا يقود أيضاً إلى لبنان والعراق حيث لطهران قدرة على التعطيل، ولأوروبا مخاوف جمّة من انهيار يُجدد انطلاق موجات اللاجئين إليها. وإيران مؤثرة أيضاً في الملف اليمني نتيجة دعمها قوات الحوثي.

بالتزامن مع ما سبق، شهدت عملية تشكيل الحكومة تعطيلاً في العراق ولبنان خلال الشهور القليلة الماضية، في حين تواصلت الإشتباكات في اليمن رغم الأزمة الانسانية وتبدل الموقف الأميركي أخيراً. في لبنان، ظهرت "العُقدة السنية" بشكل مفاجئ بعد تذليل العقبة المسيحية. وفي العراق، لم يستطع عادل عبد المهدي استكمال حكومته بسبب الانقسامات الشيعية-الشيعية.


كل هذا الواقع تبدل خلال أسبوعين. في التاسع من الشهر الجاري، نقلت وكالة "مهر" الإيرانية عن مجلة "فيرتشافت فوخه" الألمانية، أن باريس وبرلين اتفقتا على انشاء الآلية الخاصة في فرنسا، على أن يقودها ألماني. بعد هذا التقرير، خرجت سلسلة تصريحات ايجابية عن الجانب الأوروبي، بينها تأكيد لوزيرة خارجية الاتحاد فيدريكا موغريني بأن الآلية ستُبصر النور مطلع العام المقبل.

بعدها بأيام قليلة، أثمرت مفاوضات السلام اليمنية في ستوكهولم اتفاقاً على وقف النار في الحديدة، وتبادلاً للأسرى والجرحى وغيرها من "خطوات بناء الثقة".

في الوقت ذاته، وُضعت عملية تشكيل الحكومة اللبنانية على نار حامية مع تشكيلة حلول مقبولة للعُقدة السنية. بين ليلة وضحاها، صار المستحيل والمحظور مقبولاً، وكأن شيئاً لم يكن. فقط قبل شهور قليلة، كان "حزب الله" مصراً على تمثيل النواب السُنّة من كتلة رئيس الوزراء سعد الحريري، أي الحُصة السُنيّة، لا من جُعبة رئيس الجمهورية ميشال عون. وهذا مطلب مستحيل، ووضع تلقائياً تشكيل الحكومة في الأدراج.

وسُرعان ما بدا "اللقاء التشاوري" كتلة مُصطنعة لدى طرح أسماء الوزراء المقترحين. هي كتلة بلا رأس، ولا قرار ولا اسم مرشح مُوحّد، حتى إن أحدهم سمى إبنه وزيراً. انتهى الكرنفال بتسمية رجل أعمال يحظى بموافقة أغلب القوى السياسية.

يوم الثلثاء الماضي، أعطى البرلمان العراقي الثقة لـ3 وزراء جدد في حكومة عبد المهدي، على أن يلتئم مجدداً الأسبوع المقبل لإقرار بقية الأسماء. جاء الفرج أيضاً من ذلك الإتجاه.

باختصار، بعد أنباء إيجابية عن انشاء الآلية الأوروبية الخاصة لحماية ايران من العقوبات، شهدت 3 بلدان تملك إيران فيها نفوذاً كبيراً، انفراجاً متزامناً كأوركسترا يُديرها مايسترو بعيد. الأوركسترا الإيرانية عزفت حكومتين واتفاق سلام دُفعة واحدة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها