الإثنين 2018/12/10

آخر تحديث: 09:16 (بيروت)

صمت الكرملين على الغارات الاسرائيلية

الإثنين 2018/12/10
صمت الكرملين على الغارات الاسرائيلية
ضربة جوية إسرائيلية على دمشق (أرشيف)
increase حجم الخط decrease

بدا الكرملين، على خلفية الغارات الإسرائيلية الأخيرة على سوريا، أسير الخطاب المتشدد، الذي استخدمه في مقاربة حادثة سقوط الطائرة الروسية في أيلول الماضي مقابل الساحل السوري. فلم تبادر موسكو إلى الرد، كما توعدت في حينه، على الغارات الإسرائيلية هذه، واضطرت إلى "ابتلاعها بصمت"، حسب الصحيفة الروسية "sp" منذ يومين.

وتشير المواقع الإعلامية الإسرائيلية الناطقة بالروسية، إلى أن هذه الغارات لم تكن الأولى بعد حادثة الطائرة، بل سبقتها غارات أخرى منذ تشرين الأول/أوكتوبر المنصرم، وهو ما أكد عليه نتنياهو نفسه، بعد لقائه مع بوتين في باريس، بقوله أن الطلعات الجوية للطيران الإسرائيلي فوق سوريا لم تتوقف. وعلى عادتها، بعد كل غارة، نشرت صحيفة "news.ru" الروسية في طبعتها الإسرائيلية لائحة بالغارات الإسرائيلية على مواقع في سورية منذ العام 2013، ذكرت فيها أن الغارة الأخيرة قد سبقتها غارة في شهر تشرين الأول/أوكتوبر الماضي، وغارة أخرى في 22 تشرين الثاني /نوفومبر استهدفت موقعا إيرانياً قرب دير الزور، قتل بنتيجتها شخصان إيرانيان، أو من الميليشييات التابعة لإيران.

لكن اللافت في الغارة الراهنة، وعلى العكس من السرية، التي كانت تحاط بها الغارات السابقة، هو الضجيج الإعلامي الإسرائيلي الذي رافقها، وبلغ حد الإستفزاز الصريح للكرملين في بعض الحالات. فقد نقل موقع "vesty" الإسرائيلي الناطق بالروسية عن المعلق العسكري لموقع " Ynet" الإسرائيلي رون بن إيشاي قوله، بأن صواريخ S-300 في سوريا لن توقف إسرائيل. وقال بأن للغارة الأخيرة دلالات أساسية، تأتي في طليعتها الإشارة إلى أن إيران تواصل ترسيخ مواقعها في سوريا، بغية إنشاء رأس جسر شرقي، يخلق "محوراً لبنانياً سورياً" قرب الحدود الشمالية لإسرائيل.

الدلالة الثانية للغارة، التي يراها المعلق الإسرائيلي، هي أن إسرائيل قد اضطرت، بعد حادثة الطائرة الروسية، إلى تخفيض نشاطها فوق سوريا لتفادي الإحتكاكات "غير الضرورية" مع الروس"، ولم تقم في هذه الأثناء سوى "بغارتين أو ثلاث"، على المواقع الإيرانية في سوريا. لكن، وعلى ضوء المعطيات الجديدة حول تجديد إيران نشاطها في سوريا، ومواصلة التصعيد من قبل الروس بشأن حول الطائرة، تجد القيادة الإسرائيلية نفسها "مضطرة للتخلي عن سياسة ضبط النفس ". ويقول بأن نتنياهو قد حذر أكثر من مرة، خلال الأسابيع الأخيرة، بأن إسرائيل لا يسعها القبول بتصاعد التهديد الإيراني عند حدودها الشمالية، وهي تحتفظ لتفسها بحق القيام بما "تراه ضرورياً" لضمان أمنها. غير أن كلمات نتانياهو لم تلق أذناً صاغية لا في دمشق ولا في طهران ولا في موسكو، على قوله، ولذا أتت الغارة الأخيرة لتشير إلى التبدل في الموقف الإسرائيلي، وإلى أن صواريخ S-300 الروسية، التي يتموضع الإيرانيون تحت مظلتها، لن تتمكن من منع إسرائيل من القيام بمهمات الحفاظ على أمنها.

أما "جيروزاليم بوست" فقد ذهبت أبعد من ذلك في استفزاز الكرملين، ونقلت عنها نوفوستي في ترجمة لمقالة كتبتها منذ يومين تحت عنوان " في خضم المواجهة مع إيران في سوريا، قد يتعين على إسرائيل تحدي روسيا". وتنقل الصحيفة عن القائد السابق للمخابرات العسكرية الإسرائيلية "أمان" آموس يادلين قوله، أن ثمة مسألتين لا تساوم عليهما موسكو : الجنود الروس لا ينبغي أن يقتلوا لدى مهاجمة إسرائيل الأهداف الإيرانية، وليس على "أمان" العمل لإسقاط نظام الأسد. وطالما بقي الأمر كذلك، سوف يحافظ الروس على موقفهم السابق، بأن لإسرائيل الحق بالتعامل مع ما تعتبره خطراً مما يبنيه الإيرانيون من بنى تحتية عسكرية في سوريا. كما تنقل الصحيفة عن القائد السابق لهذه القوات في سوريا غيرشون هاكوهن قوله، بأن العقبة الرئيسية بالنسبة لاتخاذ القرار في إسرائيل ليس وجود التقنيات الروسية، بل وجود العسكريين الروس الفعلي على الأرض، والذين ليس لإسرائيل مصلحة في "إلحاق الأذى بهم".

وتخلص الصحيفة إلى القول، بأنه لدى النظر إلى جملة النتائج المترتبة على الواقع المستجد، قد يتعين على الدولة اليهودية، لكي تحافظ على عدم المساس بخطوطها الحمراء (منع طهران من إقامة رأس جسر دائم لها في سوريا، ونقل الأسلحة إلى "حزب الله " في لبنان)، أن تتحدى روسيا في المجال الدبلوماسي، و"قد يكون في المجال العسكري" أيضاً.

لم تحظ الغارات الإسرائيلية الأخيرة على سوريا باهتمام يُذكر من قبل المواقع الإعلامية الروسية، سوى من قبل صحيفة الشوفينيين الروس "SP"، التي كتبت في 4 الشهر الجاري تحت عنوان "لماذا ابتلع الكرملين بصمت الهجوم الإسرائيلي على سوريا" تقول، بأن روسيا اكتفت بما رد به حزب الله من بروباغندا على الغارة. وتستند الصحيفة إلى صمت تل أبيب التقليدي في مثل هذه الحالات لتشكك بوقوع الغارة نفسها، لكنها تتساءل لماذا لم يرد أحد عليها في حال أنها قد وقعت، ومن له مصلحة في مثل هذه الإشاعة في حال عدم حدوثها.

وتنقل الصحيفة عن مستشرقة روسية قولها، بأن لدى إسرائيل ما يكفي من الأسباب لشن مثل هذا الهجمة على سوريا، كما لديها أيضاً ما يكفي من الأسباب لترويج مثل هذا الخبر الكاذب عنها. وترى هذه المستشرقة أنه، وبغض النظر عن وقوع الغارة أم لا، إلا أن من الواضح أن الإسرائيليين قرروا القضاء على حزب الله. كما أنها لا تستبعد، في الوقت عينه، أن تكون الآزمة السياسية داخل إسرائيل قد أجبرت نتنياهو على استئناف العمليات الإسرائيلية داخل سوريا.

وعلى العكس من شكوك هذه المستشرقة، تنقل الصحيفة عن خبير عسكري روسي تأكيده الجازم، بأن الخبر كاذب، وأن ليس من غارة إسرائيلية على سوريا. وينتقد مسارعة بعض وسائل الإعلام المركزية الروسية إلى نشر "هذا الخبر الكاذب"، ويقول بأن "بعض الرفاق " يعمدون إلى تقديم ما يرغبون به بأنه واقع. ويذهب الرجل بعيداً في اتهاماته هذه، ولا يُعفي منها وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا"، التي تعمد، على قوله، في الفترة الأخيرة إلى الإستشهاد بمختلف المدونين. ويقول بأن المشاهد، التي تم بثها، تشبه كثيراً المشاهد من الغارة، التي شنتها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في نيسان/أبريل الماضي، ويعبر عن ثقة تامة، بأن الإسرائيليين لا يجرؤون على مهاجمة مواقع صواريخ S-300 لوجود عسكريين روس عندها يقومون بتدريب الأطقم السورية على استخدامها.

بغض النظر عن تشكيك الشوفينيين الروس هذا وعتبهم على الكرملين لعدم رده على الغارة الإسرائيلية الأخيرة على سوريا، إلا أن القرار الإسرائيلي بالعودة إلى علانية الغارات، يشي بأن إسرائيل تستشعر حرجاً ما يعتري الموقف الروسي في سوريا والمنطقة ككل. وليس الخطاب الإعلامي الإسرائيلي وحده ما يشير إلى هذا الشعور المستجد لدى الإسرائيليين، بل ما يؤكده أكثر هو سلوك القيادة الإسرائيلية في الأليام الأخيرة حيال لبنان، الذي تدرك تماماً مدى الإهتمام، الذي توليه له روسيا في الفترة الأخيرة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها